الثلاثاء، 4 ديسمبر 2012

الشعب يريد إسقاط...؟!!


الطاغية القذافي مات... أليس كذلك؟ مدفونٌ في قبرٍ غير معلوم؟ كتابه الأخضر تمزق، كتائبه الخضراء هُزمت، ودماؤه الخضراء (حسبما أتصور!) أُسيلت انتقاماً لأربعة عقودٍ من الطغيان الأخضر... فلماذا لم تنتهي مشاكلنا بعد؟!!!

ربما نكون قد تسرعنا حين اتفقنا ضمنياً على أن السبب (الوحيد) والهدف (الوحيد) للثورة هو القذافي... ولكن هذه النظرية غير دقيقة، والدليل عليها موجودٌ في التطور الغنائي لعبارة (الشعب يريد إسقاط النظام)، فإن كانت قد مرت بمرحلة (الشعب يريد إسقاط العقيد) فإنها مرت أيضاً بمراحل مختلفة: إسقاط الفساد، إسقاط المتسلقين، إسقاط رموز النظام، إسقاط الغموض، وحتى الرغبة في إٍسقاط المجلس الانتقالي وإسقاط مصطفى عبدالجليل، والكثير غير ذلك... إنها بالفعل عبارةٌ تبرهن على حب الشعوب لقواعد الجاذبية الأرضية! ولكن العبرة هي أن غناوة (الشعب يريد...) تتابع التغير، وهذا في حد ذاته دليل على أن سبب مشاكلنا الأساسي لا يتمثل (فقط) في أي شخص أو أي جهة يمكن لنا أن نجعل منها هدفاً (وحيداً) للإصلاح، أو سبباً (وحيداً) في غرقنا بالمشاكل... فيبدو أن مبدأ (الشعب يريد...) يجب أن يُطبق بشكل أعمق، وأكثر خصوصية إذا أردنا الوصول إلى سبب مشاكلنا الحقيقي.

وفي هذا السياق سأُجازف بالقول بأنني لا أظن أن هجرة المجلس الانتقالي، وتطهير البلاد من كل من عملوا معه وتطلخت أيديهم مؤقتاً! لا أظن بأن ذلك سيُنهي مشاكلنا، فقد رحل الطاغية القذافي الذي لديه مؤهلات وخبرات في إثارة المشاكل تفوق القدرات المتواضعة لحكومتنا الحالية! ولكن المشاكل لم ترحل معه، فهل سترحل برحيل المجلس؟! لنأخذ ما حدث يوم الجمعة الماضية كدليل على ذلك: ففي أحداث المظاهرة المؤيدة للفيدرالية لم يكن القذافي موجوداً، ولم يكن المجلس الانتقالي موجوداً... بالطبع قد يقول البعض: بلى! معمر القذافي كان موجوداً؛ فأزلامه من الطابور الخامس هم من يُشعلون نار الفتنة، ويُروجون للحركات الانفصالية الفيدرالية خيانةً للثورة ودماء الشهداء. وربما يقول آخرون: بلى! المجلس الانتقالي كان موجوداً؛ فهو الذي دفع بأولئك (البلطجية) لمهاجمة المتظاهرين السلميين، وللاعتداء على حرية التعبير بالضرب والحجارة وبالرصاص أيضاً. ولكن هذه الأقوال تبقى مجرد تكهنات تسد طريقنا إلى الجواب الحقيقي بازدحام نظريات المؤامرات... ولكن... الجاني والضحية موجودان لدينا، المعتدي والمعتدى عليه لم يغادروا موقع الحادثة، بصماتهم موجودةٌ على الحجارة وعلى اللافتات، وعينات أحماضهم النووية موجودةٌ في الدماء والبصاق المطلخ هنا وهناك، بل حتى بطاقات الهوية موجودة في جيوبنا الخلفية جميعاً...

كل ما حدث هو أن البعض خرجوا يُطالبون بالفيدارلية، والبعض الآخر خرجوا لضرب من يُطالبون بالفيدارلية، فاشتبك البعض بالبعض، وكان البعض غالباً ومغلوباً، فمهما اختلفنا حول الحوافز المادية للبعض، أو الدوافع المعنوية للبعض الآخر، فإننا لن نختلف في حقيقة غياب خيوط تحريك العرائس، ولم نرى أحداً يتحرك بيدٍ محشورةٍ فيه كأنه دمية! فهل المشكلة هي في طابور الجماهيرية الخامس؟ أم الطابور الانتقالي السادس؟ أم طابور برقة السابع؟!

القاعدة القانونية (العالمية) تقول بأن العقوبة شخصية، فلا يمكننا معاقبة شخص آخر بسبب فعل ارتكبه غيره، وإن لم يكن أحدٌ ممن سبق ذكرهم متواجدين في ساحة الجريمة، فهذا يعني أننا نطبق حد النقد وننفذ عقوبة السب والشتم بشكل ظالم ومُتعسف! بالطبع، قد يحتج بعض أساتذة القانون بالحديث عن الاشتراك في الجرائم بالتخطيط أو التحريض أو المساعدة، ولكن دائماً ما يكون لدينا (فاعلٌ أصلي) أولاً، ثم يأتي الشريك، فإن كانت مبارة المصارعة التي وقعت الجمعة الماضية قد نظمتها أطرافٌ خفية، ووضعت لها قوانين اللعبة، واختارت لها حلبة النزال، فإن (المتصارعين) اشتبكوا بإرادتهم الشخصية في هذه اللعبة، مهما كانت درجة التحريض أو الإكراه... وبالرغم من استبعادنا للجهات العُليا والجهات المُستعلية، ولأصحاب المناصب الحقيقية والوهمية، فإننا لا نستطيع إيجاد الفاعل الأصلي بالرغم من أننا نرى أفعاله في كل مكان...

الجاني مجهول الهوية – على الأقل مجهولٌ بنفس الدرجة التي يكون بها الجنون مجهولاً للمجنون... ولكن جرائم الجاني غير مجهولة: فحرية التعبير أصبحت معصيةً حدها الرجم، كما رأينا في مظاهرات يوم الجمعة، والاختلاف في الرأي أمسى خيانةً عظمى في الشوارع والمقاهي، يُعاقب عليها المرء بالإعدام على قنوات الإعلام وصفحات الجرائد والفايس بوك. وليس غريباً أن ينتج عن هذه التصرفات فرقٌ غالبة وفرقٌ مغلوبة، فتصبح بعض الأفكار بضائعاً ممنوعةً، وتُنصب بوابات التفتيش أمام الأفواه للتأكد من خلو الكلمات من أسلحة المخالفة ولو كانت مشفوعةً بتصريح المنطق. وظهر عندنا من جديد أشخاصٌ يحترفون التعذي.. أقصد التحقيق في غرفٍ مظلمة، وينشرون (عدالتهم) في كل مكان بقوة السلاح بارك الله فيهم! وكل هذه الجرائم – أو المشاكل – لا نجد حولها آثاراً لبصمات الطاغية المقبور، ولا نجد أي أسلحة جريمة يمكننا ربطها بالمجلس الانتقالي، ولا حتى قصد جُرمي يُلمح إلى تورط مجلس برقة. وإن اتهمنا هذه الجهات بأنها تقف وراء بعض الانتهاكات وتُحوك بعض المؤامرات في الخفاء، فالحقيقة تبقى أن الغالبية العظمى لهذه الانتهاكات تُرتكب لله في الله! تبرعاً، وبدون أي حاجة لأوامر أو توجيهات من أي جهة... فلماذا نتهم الجميع، ونستغرق في مغامرةٍ بوليسية للبحث عن الجاني وننسى أنه موجودٌ أمامنا؟!

إننا اليوم نخوض معركةً جديدة، ونواجه فيها عدواً أقوى عدةً وأكبر عدداً مِن كل مَن سبقوه – أو من يحلوا لنا اتهماهم (وحدهم) بأنهم سبب كل المشاكل. فالواقع هو أن السبب وراء كل المشاكل، والهدف الصحيح لكل المرامي، لم يكن وحده الطاغية القذافي، فالشرور التي تَميز بها ما تزالُ موجودة! ولا هو وحده المجلس الانتقالي الذي لن يحل رحيله أي مشكلة، فوجوده اليوم أقرب ما يكون من غيابه! ولستُ أظن أنه مجلس برقة، الذي لا يمتلك القدرة على تحقيق أي شيء سوى تحريك الأجواء الراكدة بإثارة الجدال! فمن هو ذلك العدو المجهول الذي يستمر في الإفلات من إدراكنا؟! مَن السبب الرئيس لمشاكلنا التي نبحث عن حلولها؟ من السبب في معارك الجمعة الماضية؟ من الذي يجب أن يكون الهدف التالي لثورة التطهير من الفساد والتحرير من الاستبداد؟

من الذي يجب أن يهتف الشعب بإسقاطه؟!

الأمر صعب... ولكن الحل قد يكون بسهولة النظر في المرآة، لعلنا نرى ما رآه الشاعر حين قال:

لو غُربلَ الناسُ كيما يُعدمـوا سَقَطاً      لما تـحصَّلَ شـيءٌ  في الغرابيلِ
أو قيل للنارِ: خُصي مَن جنى، أكلت     أجسـادهم، وأَبـتْ أكـلَ السرابيلِ
هل ينظرونَ سوى الطوفانِ يُهلكهم،      كـما يُقـال: أو الطـيرِ الأبابيلِ؟


مقالة قديمة: تاريخ النشر: 22 مارس 2012
رابط المقالة على موقع ليبيا المستقبل:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق