الجمعة، 25 يناير 2013

الفاشوش في الحكم على قراقوش!

جميعنا نعلم من هو قراقوش... أو على الأقل نعلم المثل الدارج: (حكم قراقوش)، والذي نستشهد به للدلالة على الظلم والاستبداد والحكم بالنزوات الشخصية. فقراقوش هو ذلك الرجل الظالم الطريف في نفس الوقت، الذي نسمع عنه قصصاً تُضحكنا وتبكينا. كالقصة التي تقول بأنه عُرضت عليه قضية لشخص سرق دجاجة، فحكم فيها بغرامة على السارق لأنه سرق، وغرامة على صاحب الدجاجة لأنه لم يحفظها، وغرامة على الشاهد لأنه تدخل في ما لا يعنيه!

القصص والطرائف تفوق الحصر، وتختلط في سجل التاريخ، فنجدها تارةً عن أعرابي، وتارةً عن قاضٍ أحمق، ونجدها حيناً عن جحا، وحيناً آخر عن قراقوش! ولكننا في النهاية نخلص من التاريخ المُختلِط بالشائعات إلى أن قراقوش كان حاكماً ظالماً مزاجياً، وتصبح عبارة (حكم قراقوش) هي الشكوى الصامتة التي يشكو بها الزوج حكم زوجته! أو الابن حكم أبيه! أو الشعب حكم سلطانهم...

إذاً جميعنا نعلم من هو قراقوش الفاشوش! ولكننا لا نعلم من هو قراقوش الحقيقي...

قراقوش الحقيقي كان ضحيةً لزميل له في الحكومة يُدعى الأسعد بن مماتي، الكاتب الذي كان يتولى ديوان الجيش والمالية، والذي قاده خلافه مع قراقوش إلى أن يؤلف عنه كتاباً أسماه: (الفاشوش في أحكام قراقوش). كثيرون حللوا سبب تأليف هذا الكتاب، بعضهم ردوه إلى محاربة الإسلام نظراً لأصل ابن مماتي المسيحي، وآخرون قالوا أنه عنصرية ضد الأجانب نظراً لأن قراقوش كان من المماليك الأتراك، والغالبية يُفسرون الأمر على أنه خلاف شخصي وسباق على المناصب. وأظن أن أرجح رأي هو الأخير؛ فمنصب قراقوش الكبير وشخصيته العسكرية والقيادية بلا شك كانت تتصادم مع شخصية ابن مماتي الأدبية والمتسلقة إن جاز لنا التعبير! ولعل خير من وصف طبيعة خلافهم هو الشيخ علي الطنطاوي في كتابه (رجال من التاريخ) حين قال: (وابن مماتي هذا كاتبٌ بارع وأديبٌ طويل اللسان... وكان الرؤساء يخشونه ويتحامونه، ويتملقونه بالود حيناً وبالعطاء حيناً. ولكن قراقوش وهو الرجل العسكري الذي لا يعرف الملق ولا المداراة لم يعبأ به، ولم يخش شره... فألََّف ابن مماتي رسالةً صغيرة سمَاها الفافوش في أحكام قراقوش، ووضع هذه الحكايات ونسبها إليه. وصدَقها الناس، ونسوا التاريخ.) وكان ما كان، وأصبح قراقوش مثلاً يُضرب في الظلم والاستبداد...

ولكن ها هي معلومة قد لا يعلمها كثيرون: قراقوش كان يعمل عند صلاح الدين الأيوبي...

مفاجأة، أليس كذلك؟!

الخميس، 24 يناير 2013

سراجنا المستنير...



أغَـرُّ، عَـلَيْهِ لِـلنُّـبُـوَّة ِ خَـاتَـمٌ            مِـنَ اللَّهِ مَـشْهُودٌ يَـلـُوحُ ويُـشْهَدُ
وضمَّ الإلـهُ اسـمَ النـبيّ إلى اسمهِ،            إذا قَالَ فـي الخَـمْسِ المُؤذِّنُ أشْـهَدُ
وشـقّ لـهُ مـنِ اسـمـهِ لـيُجِـلهُ،           فـذو العـرشِ محمودٌ، وهذا مـحمدُ
نَــبـيٌّ أتَــانَا بَـعْدَ يَـأسٍ وَفَتْرَة ٍ          منَ الرسلِ، والأوثانِ في الأرضِ تعبدُ
فَأمْسَى سِـرَاجـاً مُـسْتَنيراً وَهَـادِياً،           يَلُـوحُ كما لاحَ الصّـقِيلُ الـمُـهَنَّدُ
وأنـذرنـا نـاراً، وبـشرَ جـنـةً،            وعـلمنا الإسـلامَ ، فـاللهَ نـحـمدُ
وأنـتَ إلـهَ الخلقِ ربـي وخـالقي،            بذلكَ مـا عـمرتُ فيا لناسِ أشـهدُ
تَعَالَيْتَ رَبَّ الناسِ عن قَوْل مَن دَعا              سِـوَاكَ إلـهاً، أنْـتَ أعْـلَى وَأمْجَدُ
لـكَ الخلقُ والنعماءُ، والأمـرُ كلهُ،             فـإيّـاكَ نَسْتَهْـدي، وإيّـاكَ نَـعْبُدُ

قصيدة قصيرة في مدح الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام، لشاعر النبي حسان بن ثابت رضي الله عنه.

وكل عام وحب الرسول عليه الصلاة والسلام في قلوبنا جميعاً، ونسأل الله ألا يحرمنا من الرحمة التي بُعث بها عليه أفضل الصلاة والسلام.

ثقافة شوارعية...


 في ليبيا الثقافة الشوارعية ستعني أن الشخص بريءٌ من تهمة الثقافة! وقد تعني أيضاً أنه لا يحمل في جيبه أية أخلاق، وإنما فقط يُخفي تحت لسانه الكثير من قلة الأدب الحادة! ولكن يبدو، في عالمٍ آخر، بعيد كل البُعد عن عالمنا، يبدو أن هنالك شيءٌ حقيقي اسمه: ثقافة شوارعية.

في كولومبيا، في مدينة بوقوتا، التقط أحد المدونين صورةً لمكتبة صغيرة في حديقةٍ عامة.

هذه المكتبة الصغيرة هي جزء من مشروع اسمه بالإسباني Paradero Para Libros Para Parques، والذي (تقترح) ترجمة جوجل - بلغة ركيكة! – أنه يعني: مكان للكتب للحدائق، أو مكان لكتب الحدائق. المشروع انطلق منذ حوالي 10 سنوات للترويج للثقافة والقراءة، بالتعاون بين منظمة خيرية للثقافة مع إدارة الحدائق العامة.

هنالك الآن 47 مكتبة صغيرة في مختلف مناطق بوقوتا وحدها، وحوالي 100 في كولومبيا. هذه المكتبات الصغيرة  مفتوحة لحوالي 12 ساعة أسبوعياً، في الأغلب في عطلة نهاية الأسبوع. ويمكن بالطبع استعارة الكتب. وكل مكتبة صغيرة يُشرف عليها متطوعون، يقومون بإعارة الكتب، والإجابة عن أي استفسارات، كما يعملون على تنظيم نشاطات للأطفال، ويساعدونهم أيضاً على أداء واجباتهم المدرسية.

ثقافة شوارعية!


الجمعة، 18 يناير 2013

ألا في سبيل الفن...

لا بد أنه كان زماناً جميلاً... ذلك الزمان الذي يغني فيه وديع الصافي لأبي العلاء المعري، وأم كلثوم لأبي فراس الحمداني، والعباس بن الأحنف، وناظم الغزالي أيضاً لأبي فراس، وأبي نواس... ذلك الزمان الذي كانت فيه الأغاني شعراً حقيقياً. حين كان الكبار يتزاحمون لغناء كلمات أحمد شوقي، حافظ إبراهيم، جبران خليل جبران، إيليا أبو ماضي، كامل الشناوي، نزار قباني. وحين كان كتاب الأغاني شعراءً بالفعل...

لا أعلم ما الذي حدث لعالمنا... ولكننا الآن لم نعد نبحث عن المعنى، لم نعد نبحث عن الكلمات، لم نعد نبحث عن الألحان... عماذا نبحث؟ أظن أني أستحي من قول ذلك...

صباح الخير يا أبا العلاء المعري، وصباح الخير يا وديع الصافي... وشكراً لكما...





الأربعاء، 16 يناير 2013

محاولة لفهم قرار القوة الأمنية للمؤتمر...


ويبدأ المؤتمر الوطني سنة 2013 بالقرار رقم (1)، هذا القرار الحازم ضد كل الفوضى، القرار الصارم ضد الانفلات الأمني، القرار الذي يؤيد مؤسسات الدولة ويؤكد على صلاحيات وزارتي الدفاع والداخلية، القرار الذي يدعم المشروعية، القرار الذي...

أعتذر، ولكن هنالك خطأ، هذا قرار بتشكيل قوة أمنية جديدة لا تتبع لوزارة الدفاع أو وزارة الداخلية...

سامحوني، إنه التباس مفهوم؛ فهذا قرارٌ صادرٌ من السلطة التشريعية العُليا في البلاد، ومن الطبيعي أن نتوقع أنه سيُروج للشرعية ويدعم مؤسسات الدولة... ولكن يبدو أنه فقط (يُسلح) مؤسسات الدولة. ولكن – والتفاؤل مُستحب مع العجز! – قد تكون هذه خطوة جيدة في طريق حماية وتأمين المؤسسات والمصالح الحكومية؛ فربما نشهد عما قريب تشكيل الجيش الفدائي لقطاع النفط، أو ربما قوات تدخل سريع تابعة لمصلحة الكهرباء، ومع الأحداث الأخيرة في المنطقة الشرقية، فبالتأكيد الأولوية ستكون لتشكيل كتائب مقاتلة لشركات الاتصالات الليبية!

وفي النهاية هذا مجرد قرار آخر يصدر في وقته تماماً! متوافقاً مع هموم الشعب ومطالبه! ويصدر ضمن كل معايير النزاهة والشفافية والديمقراطية! وإن لم نستطع فهمه فهذا لأننا شعب جاهل ديمقراطياً، وغير مثقف سياسياً، ومبخوت له حقوقياً.

على أي حال، دعونا نحاول فهم هذا القرار. وبما أن الأمور أصلاً (مقلوبة)، دعونا نقرأ القرار بالمقلوب، فنبدأ من المادة رقم 3، ثم المادة رقم 2، ثم نتوقف عند المادة رقم 1. وأرجو فقط أن نستطيع إيجاد عدد من الإجابات، بقدر ما سنجده من الأسئلة.

الأحد، 13 يناير 2013

أجراس الإنذار للمرة الثانية...

منذ فترة نشرتُ مقالة عن التطرف وتسخير الدين لتبرير أعمال العنف. كان ذلك حين قُتل السفير الأمريكي، وكان المتهمون الأوائل هم بلا شك المتطرفون الإسلاميون، الذين لا يستطيعون أبداً إنكار تورطهم في المسألة. سميتُ تلك المقالة: أجراس الإنذار.

واليوم، لا تُقرع أجراس الإنذار من جديد، كلا، بل صداها يرتد إلينا. فقد تم الاعتداء على سيارة القنصل الإيطالي في بنغازي، دون وقوع أي إصابات، سوى مقتل التفاؤل وجرح الأمل في مستقبل مستقر... لا أعلم بالضبط من أين يأتي ذلك الصدى، لأنني شخصياً أشك في أن تجازف أي جهة متطرفة في ارتكاب فعل أحمق وهجمي مثل هذا الفعل مرةً ثانية، خاصة بعد الاستياء الشعبي الذي أبداه الليبيون بعد مقتل السفير الأمريكي. لم يكن لديَّ تفسير لهذا الأمر سوى أن هذه مؤامرة ضد بنغازي، ضد قلب ليبيا النابض، ضد المدينة ذات اللسان الطويل، المدينة التي لم تسكت لأحد، المدينة التي يبدأ فيها الجميع ثم ينسونها في النهاية... لا يمكنني أن أفسر الأمر إلا بهذا الشكل: مؤامرة ضد مدينة بنغازي، وقودها التحريض بسوء استغلال الدين، ونارها المتطرفين الجاهلين الحمقى.

وإن كان الحادث مازال قريباً، وأصابع الاتهام لم تُوجه بعد، إلا أن أصابع أفكارنا كلها تتجه نحو المتطرفين. فمن سيكون له دافع في مهاجمة القنصل الإيطالي؟! دواعٍ سياسية؟! ليست لدينا سياسة لهذه الدرجة من المؤامرات. دواعٍ اقتصادية؟! الاقتصاد كلها في جيب الحكومة، والحكومة وإيطالية سمن على عسل. ثأر شخصي؟!!! ملل؟!!! تجربة سلاح جديد؟!!! احتفال بعرس ولكن أطلقوا النار بشكل أفقي وليس عمودي؟!!! أم أن التفسير هو أن هذا قنصل دولة كافرة، دولة تحارب المسلمين، دولة منحلة، دولة صليبية، دولة بعيدة عنا كل البعد، لكن وجود قنصل منها هنا يهددنا وكأنه الطاعون! هذا التفسير الوحيد: المتطرفون، الذين يبررون كل تصرفاتهم بكلمة واحدة: الكفار.

ولما كانت هذا هو أول تفسير... رأيت أن أعيد نشر بعض الأجزاء من المقالة التي نشرتها بعد مقتل السفير الأمريكي... بعض الأجزاء الدينية، التي تُخزي أي شخص يتستر بالدين لأعمال العنف، ويدعي الجهاد ضد الكفار...

الجمعة، 11 يناير 2013

لقاءات...


بعد الخاطرة الأخيرة عن اتصال الشيخ محمد الغزالي بالأستاذ فهمي هويدي، وكل ما تحمله تلك العلاقة من معانٍ بالنسبة لي، راق لي أن أضع بعض الصور التي جمعت بين بعض العظماء والرواد والمبدعين...


جلسة جمعت بين الشيخ محمد متولي الشعراوي، والشيخ محمد الغزالي.

 
مصطفى محمود والشيخ الشعراوي.

 
رواد الشعر الحر: عبدالوهاب البياتي واقفاً، وبدر شاكر السياب جالساً.

 
الصداقة التاريخية بين الشاعر عبدالوهاب البياتي، والكاتب الرائع خليفة الفاخري.

 
متمردون: من اليمين إلى اليسار: أحمد مطر، بلند الحيدري، نزار قباني، أدونيس، ناجي العلي، لم أتعرف على الأخير.

 
شعراء فلسطين: محمود درويش، وسميح القاسم.

 
الكاتب الروسي العظيم ليو تولستوي، والكاتب الروسي البارع ماكسيم جوركي.

 
أب القصة القصيرة أنتون تشيكوف على اليسار، مع كاتب الشعب الروسي ماكسيم جوركي.

شاعر الإسبانية الأعظم بابلو نيرودا على اليسار، وأحد أشهر شعراء الأوردية فيض أحمد فيض على اليمين.

 
شاعر الإسبانية الأعظم بابلو نيرودا على اليمين، والمسرحي الأمريكي البارع أرثر ميلر على اليسار.

 
الثاني من اليمين: الشاعر الأسطوري فيديريكو جارسيا لوركا، والأخير في اليسار هو العجيب سالفادور دالي. بدايات الأساطير!

من اليمين إلى اليسار: جون كوين، إيزرا باوند، جيمس جويس، فورد مادكوس فورد. بدايات الحداثة والجنون في الأدب الإنكليزي...

 
رواد جيل (البيت): ألن جينسبرج على اليمين، والرائع جاك كيرواك على اليسار.


بالطبع هؤلاء ليسوا حصراً المفكرين أو الكتاب أو الشعراء المفضلين عندي، وإن كنت أعشق الكثيرين منهم، ولكن مثل هذه الصور نادرة نوعاً ما، ومن الصعب أن يجد الشخص صورةً يريدها، كصورة تجمع الشيخ محمد الغزالي والأستاذ فهمي هويدي مثلاً، أو صورة تجمع العقاد بأي شيء آخر سوى الكتب! أو ربما صورة لأحمد شوقي وحافظ إبراهيم، أو صورة لإرنست هيمنجواي مع غريمه جون ستاينبك! ومع ذلك، مع تلك الاستحالات التي نريدها، ففي النهاية حتى الصور التي نقع عليها من لقاء بعض العظماء والرواد هي أيضاً رائعة جداً.

الخميس، 10 يناير 2013

اتصال من الشيخ الغزالي.


كنت أقرأ إحدى مقالات الكاتب الرائع فهمي هويدي. والذي أحاول المداومة على قراءة مقالاته في مدونة أقامها شخص اسمه محمود فوزي، يحرص فيها على إدراج مقالات الأستاذ فهمي هويدي بمجرد نشرها. وأُحب الآن أن أشكر السيد محمود فوزي على هذا المجهود في جمع المقالات في مكان واحد وتسهيل الوصول إليها عبر الإنترنت لمن لا تتوفر لهم المطبوعات التي تُنشر فيها.

المقالة، كالعادة، كانت رائعة. نجد فيها النقد المنطقي للأمور غير المنطقية! وأيضاً التحليل الديني الواقعي للأستاذ فهمي هويدي. ولكن أكثر ما أعجبني في المقالة هو قصة رواها الأستاذ فهمي هويدي.

القصة هي اتصال ورده من الشيخ محمد الغزالي رحمه الله منذ زمنٍ بعيد.

السبت، 5 يناير 2013

نصائح للشيخ الصادق الغرياني.


بالطبع لستُ أهلاً لتوجيه النصائح للشيخ الصادق الغرياني. ولكنني لا أكتب هنا وكأنني عالمٌ أو فقيه، أو حتى كاتبٌ يتطفل بين الحين والآخر على علماء الدين، ولكنني أكتب هنا بصفتي مواطن ليبي عادي، يُشاهد التلفاز بملل، ويتجادل بصوتٍ أعلى مما يجب مع معارفه (وأحب الاعتذار لهم الآن!)، ويزعم كبده من الشائعات التي تنتشر على الإنترنت وبالأخص الفيسبوك. فهذه إذاً ليست نصائحاً علمية أو فقهية، هي مجرد ملاحظات من أحد المشاهدين الذين ملوا من الحيرة بين المدح والتقديس وبين النقد والتجريح، وملوا أيضاً من الشائعات والتدليس والنفي والتصحيح... هذا كل ما هنالك.

الأربعاء، 2 يناير 2013

255 يوماً من الجهل...





شاهدتُ جزءاً من برنامجٍ وثائقي عن الدكتور مصطفى محمود رحمه الله. وهو بالطبع الكاتب الأديب والمفكر، الطبيب والعالم،  الصوفي والفيلسوف، والذي باختصار لا حصر لصفاته، والذي أعتبره من بين الجيل الثاني أو الثالث لعصر العمالقة في مصر، ذلك العصر الذي تفجر بالاستنارة والتقدم الثقافي والفكري حتى وصل إلى تلك القمم الشاهقة التي جعلت من الناظرين إليه يصفونه بأنه عصر (العمالقة) من شدة ما اضطرهم أهل ذلك العصر إلى رفع أعينهم والنظر إلى أعلى!

وهو بالطبع – وللأسف الشديد – عصرٌ آخر من العصور لا اختلاف بينه وبين العصر الأموي أو العباسي أو الأندلسي؛ مجرد (عصر)، جاء ومضى، ولم يبقى لنا منه سوى الكثير من الكتب التي يعلوها الغبار المتصاعد من ركضنا بعيداً عنها... وبقيَّ لنا من ذلك العصر أيضاً بضع جنازات.. بضعة فرسان مازالوا في ساحة المعركة ضد الجهل، مازالوا يحاولون أن يمنعوا ذلك العصر من أن يكون عصراً عتيقاً من تخصص علماء الآثار والتنقيب، يحاولون أن يزرعوا البذور ليستمر الحصاد، ولكن سنة الحياة تُدركهم، أو بالأحرى سنة الموت.