الأربعاء، 9 يوليو 2014

أريد أن أكتب... ولكن؟!


أريد أن أكتب عن الكثير من الأشياء...

أريد أن أكتب عن سلوى بوقعيقيص رحمها الله، أن أكتب عما يعنيه رحيلها، عما خسرته ليبيا.. أريد أن أكتب عن الشعب الليبي الذي كفرتُ به كفراً صريحاً، أريد أن أكتب عن كل الخرافات العالقة بهذا الشعب وبفطرته الملائكية! أريد أن أكتب عن معركة (المراوحة) التي تحتدم في بنغازي الآن، والتي لم ينتج عنها إلا تحويل بنغازي إلى مدينةٍ مُحاصَرةٍ بالحرب، أصبحنا نشتاق للنوم دون إزعاج القصف والقذائف والانفجارات، أمسينا نشتاق للأيام المملة حين لا تعرف أين تذهب وماذا تفعل (عوضاً عن الأيام المليئة بالجنازات والمقابر وخيم العزاء...).. أريد أن أكتب عن الاغتيالات عن التفجيرات، عن أسراب الرصاص التي تغزو بنغازي، عن طاعون الموت الأحمر المنتشر في مدينتنا، عن طوفان الأسى والألم الذي نغرق فيه.. أريد أن أكتب عن الإعلام الليبي التافه، الإعلام الذي يعتبر مسؤوليته التقاط ألسنة اللهب من المعارك والتفجيرات وإحراق المواطنين بها، الإعلام الذي يدوس مُسرعاً في دماء الضحايا ليغمس أيديه فيها ويطلخ بها وجوه المشاهدين والمتابعين والقراء، الإعلام الذي أريد سبه وشتمه بكلام قد يُصنِّف هذه المدونة على أنها مدونة إباحية زنديقية! أريد الكتابة عن التطرف، عن كارثة ممارسة الإرهاب باسم الدين، عن مأساة الوضوء بالدماء والصلاة فوق الجثث، عن جحيم التكفير بالجملة، وليس بأسعار الجملة، ولكن بالمجان للجميع! أريد أن أتحدث عن استغلال مآسي الشعب من قبل العسكريين والسياسيين والثورجيين والإعلاميين وحتى الشعب نفسه.. أريد أن أتحدث كثيراً عن مآسي ليبيا، وعن الجرح الغائر في وسط قلبها تماماً الذي هو بنغازي، وعن السبية التي هي طرابلس، وعن الجنوب الذي لم نعد نعرف أين يقع، في بلادنا أم في بلادٍ شقيقة في كوكبٍ آخر...

رحيل سلوى بوقعيقيص: ثلاث رسائل.


إلى سلوى،

ورحلتِ يا سلوى... رحلتِ ومازالت طريقنا طويلةٌ جداً، طويلةٌ جداً...

يؤلمني رحيلكِ كثيراً، ولكنني لا أستطيع منع نفسي من تقبُّل هذا الرحيل، لا أستطيع أن أستغرب خاتمة هذا الفصل من حياتك؛ فمنذ اليوم الأول يا سلوى، منذ اليوم الأول ومن قبله أيضاً، خرجتِ تتحدين الموت، منذ البداية استبدلتِ حياةً آمنة بحياةٍ شجاعة، منذ البداية خرجتِ للتضحية فكانت وقفاتكِ، تصريحاتكِ، مجهوداتكِ، كانت حياتكِ كلها تضحيةً تنتظر تلك اللحظة التي تُختتم فيها مسيرتكِ وتبدأ فيها ذكراك، تلك اللحظة التي تتوقفين فيها عن المسير، ولكن لا تتوقفين فيها عن النضال... ولكن.. هذا واقع كل مسيرة، أليس كذلك؟

هذا قضاءُ الله وقدره في القادة والأبطال والمعلمين: لابُدَّ من أن يحين أوان ترجُّلِهم، لابد من تلك اللحظة التي يتوقف فيها القادة الأبطال مثلكِ يا سلوى عن المسير؛ لينتصبوا على جوانب الطريق مناراتٍ تُنير ظلمة المسير، مناراتٍ من دمٍ تنادي نحو أفق الخلود: "من هنا الطريق". فهنيئاً لبنغازي بكِ يا سلوى منارةً جديدةً تنتصب فيها، نحفر لبقية الناس قبوراً، ونرفعك من دونهم منارةً... وهنيئاً لكِ يا سلوى بختام هذا الفصل من حياتكِ وبدء فصلٍ جديد؛ فالأبطال الشهداء مثلكِ يا سلوى لا تنتهي حياتهم ولا ينتهي نضالهم... هنيئاً لكِ يا سلوى، ورحمك الله، وعظَّم الله أجرنا فيكِ... عظَّم الله أجرنا...

*  *  *