الجمعة، 7 ديسمبر 2012

الدول المُراقِبة...


أرجو أن تعذريني يا فلسطين لأنني لستُ سعيداً بحصولك على صفة (دولة مراقبة)... وأرجو أن يعذرني معارفي الفلسطينيون لأنني لن أستقبلهم بباقات التهنئة والمباركة... أُحب فلسطين، ولكنني لا أُحب العالم؛ ولذلك لا سعادة أراها في الأفق بهذا القرار الأممي التعيس.

لا أعرف من أين أبدأ تشاؤمي، فمصادر التشاؤم عندي – والحمد لله – تكفي لتمويل عشرة من دول العالم الثالث إلى أن تشرق الشمس من مغربها، أو إلى أن تتحرر فلسطين، والعبرة هي بأقصر الأجلين! ولكن، ربما أستطيع ضغط كل هذا التشاؤم في إطارٍ واحد... فلتكن مسرحية، مسرحية من ثلاثة فصول.

  • الفصل الأول: البطل عباس وعمليته الفدائية في المجتمع الدولي! 
جميعاً نعلم أن بطولات المقاوم والمناضل والسوبرمان محمود عباس هي بطولات لا يُعجب بها إلا الأمريكيون والإسرائيليون. وهو شيء يمكن تفهمه، فأرجو ألا نتسرع في أي اتهامات بالخيانة أعوذ بالله، فالرجل لا يخون أحداً، كل ما في الأمر أن بطولاته هي من تأليف وإنتاج وإخراج أمريكا وإسرائيل، فكيف نُسميه خائناً وهو من أوفى الأوفياء لأسياده؟!

وعلى أي حال، فقد ظهرت منه شجاعة كبيرة في الفصل الأول من هذه المسرحية، حيث انتفش كالديك وأذن في الناس: (أنا ذاهبٌ لأطالب بصفة دولة مراقبة لفلسطين)!!! الله أكبر! دولة مشلولة! ولكن، العبرة كلها ليست في هذه الخطوة، ولا حتى في الاتصالات الهاتفية والتصريحات التي حرص فيها عباس على إسماع العالم تأكيد أمريكا لتأييدها لإسرائيل. العبرة كلها في أن أمريكا وإسرائيل وقفتا معاً في هذه الواقعة، وقالتا معاً لعباس: لا وألف لا! ومعاً أيضاً رفعتا عباس إلى منصبه كالمفاوض – أو بالأحرى المتنازل – الأوحد باسم الشعب الفلسطيني. وأُسدل الستار على الفصل الأول، وقد أكدت أمريكا ولاءها لإسرائيل، وأصبح عباس بطلاً قومياً يتحدى العالم!

  • الفصل الثاني: تعالوا نخفف الاحتقان بجرح غزة.
وينكشف الستار على الطائرات والقصف والدمار والدماء... ومئات الشهداء والجرحى. ومن جديد تقف غزة على قدميها وحيدة، وتقول للجميع من وراء ظهرها: لا نامت أعين الجبناء. وتستقبل الموت بجراحها التي لا يسمح لها العالم بأن تلتئم. ماذا كانت تفعل إسرائيل وماذا كان يفعل عباس وماذا كان يفعل العالم؟ مازلتُ متشائماً... لذلك سأقول بأن إسرائيل كانت تريد جر العرب إلى طاولة المفاوضات بالضحك عليهم. قد يتساءل الواحد: كيف ضحكت عليهم؟ والإجابة بسيطة: ضحكت عليهم بخدعة النصر المزيف الذي مازلنا نسكر بها. فعدنا اليوم مرةً أخرى نقول: لقد انتصرنا على الصهاينة، وتحطمت عزائمهم على غزة رمز العزة، فالله أكبر على من طغى وتجبر! والحكومات العربية كشفت اللثام عن مواقفٍ حازمة (لم ينتج عنها شيءٌ على فكرة...) والآن لم يعد أمام إسرائيل شيء سوى التفاوض!!!

أوهامٌ جميلة... ولكن ما هي حقيقة هذا الموقف؟ الحقيقة، كما أراها عبر أعيني العمياء بالتشاؤم، الحقيقة هي أن إسرائيل نجحت في إقناع الشعوب العربية بأن تجلس على مقعد الاحتياط، أي أنها امتصت نقمة الشعوب التي استيقظت في الربيع العربي، قامت باستنزاف احتقان الشارع عبر شق جرح عميق في غزة، ونتيجته أن القضية انتقلت من الشعوب إلى الحكومات، فإسرائيل تقول لنا بأنها هُزمت في غزة وبأن الحكومات العربية أظهرت مواقفاً غير معهودة، والآن كل ما على الشعوب أن تفعله هو أن تجلس وتتفرج على المؤتمرات والاجتماعات. وهذا النصر الإسرائيلي (السياسي) لن يكتمل إلا إذا كان لديهم لاعبٌ من الفريق الآخر يثقون في تعاونه...

  • الفصل الثالث: عباس للنجدة!
وتُصوت جميعة الأمم المتحدة وتُصبح فلسطين دولةً مُراقبة، ويقف عباس، بصدره المنفوش، يقف ويحجب عن أعيننا غزة الغارقة في الدماء، ويُعلن لنا أنه محرر فلسطين المنتظر! وهو بحصوله على صفة الدولة المراقبة ثبت قديمه على منصة تمثيل الشعب الفلسطيني. وتأكد قبل ذلك، وخلال أسبوع من الإبادة في غزة، تأكد من أن قادة الغرب قد حكموا على غزة وحماس بأنهم إرهابيين، بينما بقوا صامتين بخصوص عباس، تماماً كما بقيَّ هو صامتاً بخصوص غزة.

والآن لم يعد في الساحة الفلسطينية، التي يمكنها أن تبدأ حملة مفاوضات سياسية جادة بصفتها دولة مراقبة، لم يعد في ساحتها سوى البطل المغوار محمود عباس، وشلة من الإرهابيين في غزة لا يعترض العالم على إبادتهم. ومع مواقف الحكومات العربية (الحازمة) فنستطيع أن نضمن أن فلسطين سوف تُوضع على طاولة المفاوضات، وسوف تُقسم كالكعكة على مدى 300 سنة، ريثما يموت الشعب الفلسطيني جوعاً...

*  *  *  

وهكذا رأيت هذه الأحداث الأخيرة... مجرد مسرحية.

ولكن هذا التشاؤم هو فقط للتفسير، أعني لتفسير ما حدث... فالتشاؤم عندي له معايير عالمية! وأستطيع القول بكل ثقة بأنه لو نالت فلسطين صفة دولة عضو في الأمم المتحدة لما تغير شيء... والكارثة الحقيقية، من وجهة نظري التشاؤمية، هي أن يرى البعض أن صفة (دولة مراقبة) هي انتصار عظيم ونقلة نوعية لفلسطين في الساحة السياسية، ويتجاهلون أن الدول العربية كلها دول مراقبة منذ الأزل!!! بل العالم كله يصبح عالماً مُراقبِاً حين تكون أمريكا جزءاً من المعادلة... فما الذي سوف يتغير؟ الدول العربية كلها، منذ 60 سنة، لم تقدر على دفع القضية الفلسطينية قيد أنملة إلى الأمام، بالطبع، دولٌ عربيةٌ كثيرة دفعت القضية إلى الوراء، بل حاولت اغتيالها، وحفرت لها قبرها... ولكن (الأمام) لا نعرفه أبداً... فكيف إذا وقفت (الضحية) لتطالب بحقها والعالم كله الجلاد؟! فلسطين لم تكتسب صفةً جديدة ولا امتيازاتٍ جديدة، والخوف من المحاكم الدولية والحراك السياسي في المجتمع الدولي لا يهد مضاجع إسرائيل التي تنام قريرة العين في حجر أمريكا.

أخشى ما أخشاه أن تكون هذه بداية مرحلة مخزية للتنازلات... وأرجو أن نُدرك قبل فوات الأوان أن قضية فلسطين لن تُحل على طاولات السياسة... على الأقل لن تُحل بالنسبة لنا... ولكن الأطراف الأخرى كل ما تريده هو تلك الطاولات... الحل لن يأتي طالما رضينا بأن تكون دولنا كلها (فعلياً) دولٌ مُراقِبة...

إبراهيم سليمان الشريف.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق