الثلاثاء، 31 ديسمبر 2013

لعنة سنة 2013...

2013... سنة... سيئة...

أظن أن كلمة (سيئة) هي أكثر كلمةٍ محترمة يمكنني أن أصف بها هذه السنة دون أن أصاب بنوبة صرعٍ مِن شدة بساطة هذه الكلمة في التعبير عن مدى كرهي لسنة 2013...

الشيء الذي يجب فعله، دائماً، هو مقارنة الإيجابيات والسلبيات. لن أقوم بهذه المقارنة. هنالك بعض الإيجابيات، هنالك أشياء تعملتها واستفدت منها، حتى بعض التجارب السيئة تعلمت منها، وهنالك أمورٌ جيدة قمتُ بها، هنالك تطورات في العالم، ولكنني لن أضع هذه الأمور في الكفة المقابلة لكفة السلبيات... سبب عدم قيامي بهذه المقارنة هو أن بعض تلك السلبيات التي حدثت في سنة 2013 أجد نفسي مستعداً للتضحية بكل الإيجابيات في مقابل محوها أو نسيانها. مثلاً، تخيل أن شخصاً ما أعطاك مائة دولار، ثم قام بطعنك في إحدى عينيك! لقد أصبحت أعوراً يمتلك مائة دولار! هل يمكنك أن تقول: (كانت هنالك إيجابيات وسلبيات، وبالرغم من أنني فقدت عيني إلا أنني لا أستطيع إنكار أنني تحصلت على مائة دولار...) إذا قلت ذلك فأنت أحمق، لأن الإجابة الصحيحة (أو غير المجنونة!) ستكون بأن تقول بأنك مستعدٌ للتخلي عن المائة دولار في سبيل أن تعود عينك المسكينة. نفس الشيء أقوله عن سنة 2013، هنالك أشياء جيدة، ولكن الأشياء السيئة تطمسها تماماً، وأنا مستعدٌ للتخلي عن أي شيء جيد تحصلت عليه في سبيل حذف الأشياء السيئة من الوجود تماماً، لا أعني بحذفها نسيانها أو إصلاحها، ولكن أعني العودة بآلة زمن إلى الماضي وقتل أجداد كل الأشخاص المتورطين في القصة لكي لا ينجبوا أهلهم، ولكي لا يلتقي أهلهم ويتزوجوا، ولكي لا ينجبوا أولئك الأشخاص الذين سوف تقودهم الحياة للتورط في مسائل أجد نفسي في نهاية السنة ألعن سنةً كاملة بسببها... وأنا أحد أولئك الأشخاص... ولكن هنا ستواجهني معضلة الجد في السفر عبر الزمن... حسناً... تباً... إذا عدت بالزمن وغيرت أي شيء في ماضيِّ، فإن هذا سينفي وجودي في المستقبل كما أنا وبالتالي لن أعود بالزمن ولن أستطيع تغيير شيء ولن يتغير شيء... ولكن... هذا قد لا يكون منطقياً، أعني لو قمتُ بتغيير الماضي، فإن المستقبل سوف يتغير حتمياً، وصحيح أن هذا سيعني أنني لن أعود بالزمن، ولكن هذا سيكون نتيجة تغيير الماضي الذي سيغير المستقبل وسيؤدي إلى سلوكي طريقاً مختلفاً عن ذلك الذي أوصلني للعودة بالزمن لتغيير الماضي... لحظة... الخطة يمكن أن تنجح... الأمر منطقي تماماً، ولا داعي لكل تلك المشاكل، فأنا لن (أنفي) وجودي، ولكنني سأغير طريقي فقط، وبالتالي ما سيحدث هو أن الزمن سيستمر ولكن في طريقٍ أخرى، أعني أن الذي سيحدث هو أن تغييري للماضي سوف يكون جزءاً من المستقبل!

انتظري فقط يا سنة 2013، ريثما يتم اختراع آلة سفر عبر الزمن، وريثما أكتشف طريقةً أسرقها بها، فبلا شك لن أستطيع تحمل تكلفتها الغالية، وسوف أعود وأمحوك تماماً من الماضي أو المستقبل!

الجمعة، 27 ديسمبر 2013

عن كتابة ما يُقرأ...

في أحيانٍ كثيرة قد تمر على بضعة أمور تُثير فيكَ حماسةً للكتابة.. مواضيعٌ تُثير اهتمامك، ذكرى تفاجئُك، معلومةٌ جديدة، شيءٌ ما كنتَ تبحثُ عنه قديماً ولكنك نسيته... أشياءٌ كثيرة مختلفة تكاد ترى أثرها عليك واستنارتها في عقلك كالأفلام الوثائيقة الطبية: تراها تشتعل عبر خلاياك العصبية وهي تنتقل بسرعة إلى عقلك كالكهرباء لتنفجر فيه وتُشعل فيك تلك الرغبة في الكتابة...

ولكنك تتذكر شيئاً، شيئاً مثل مسمار جحا، إن كان مسمار جحا مُعلَّقاً وسط صدرك تماماً ليحمل كل تلك الهواجس التي تجعلك تتوقف عن التفكير في الكتابة وليس حتى الكتابة!

نعم، تريد الحديث عن هذا الابتكار وذكر قصةٍ طريفةٍ عنه، أو الحديث عن فليسوفٍ عابر ونظرياته العميقة والبعيدة، أو ربما حتى ذكر قصيدةٍ عابرة، أو التحسر على فوات فرصةٍ لحدثٍ من نوعٍ ما... لا تستطيع فعل أيٍّ من ذلك، لأنك بكل بساطة لا تريد أن ترمي بما لديك ليقرأه آخرون لا تريدهم أن يقرأوه، فتجد نفسك في نهاية المطاف لا تكتب شيئاً، أو تكتب هراءً (وهذا هو الوصف العلمي لهذه السطور!) والهراء أدنى مرتبةً من العدم، أعني (الشيء التافه) أسوأ من (اللاشيء)، ولعل رغباتنا في إرضاء غرورنا والتواصل وكل الكلام الفارغ الذي يتعلق بهذه الأمور النفسية قد يُفسِّر أننا نُقدِّم (أشياءً تفاهة) مع أننا نعلم أنها أسوأ من عدم تقديم أي شيء، وهي نتيجة طبيعية لتضارب حاجتين: الغرور والخصوصية، تريد أن تُعبِّر عن نفسك (الغرور لا يحتاج لأن يكون بمفهوم سلبي هنا، قد يكون بمفهوم إيجابي، وأنا لستُ عالم نفس!) ولكنك في نفس الوقت لا تريد أن تُعبِّر عن نفسك للجميع، والنتيجة نصٌ تافهٌ لا تعلم لماذا تكتبه أو كيف يمكن قراءته... والمأساة كلها حلقةٌ مفرغة، فلكما ازداد ارتيابك كلما ازدادت حقيقة ضياع خصوصيتك، على الأقل بالنسبة لك أنت وجنونك، وفي النهاية تجد أن الخصوصية أصبحت زاويةً ضيقة تزداد ضيقاً من كثرة ما تضطرك الحياة للتراجع بعيداً عن الناس...

لا تستطيع حتى أن تُلمِّح لأي شيء، لأن جوجل قد أنهى تماماً وظيفة (التلميح)، فكل تلميحٍ يكاد يكون مجرد رابط! أو بالأحرى عبارةً يتم قصها ولصقها (كوبي بيست!) في محرك بحث جوجل لكي تفقد كلماتك أي نوع من أنواع الخصوصية. والأمر بالطبع أسوأ بكثير حين تُدرك أن بعض الناس لديهم هوس أو رغبة أو فقط فراغٌ عميق يمنحهم قدراتٍ جاسوسية في البحث الجوجلي! لم يعد بإمكاننا إخفاء أي شيء – ناهيك عن التلميح! – وأصبحت كل كلمة مُعلَّقة على الخوف من انتهاك خصوصيتك، وهو خوفٌ حقيقيٌ جداً: شخصٌ ما يُفتش جيوبك، ويعبث بهاتفك، ويُقلب صفحات دفاترك، وينتزع الكتاب من بين يديك ليقرأ عنوانه ويرى أن وصلت، ويغمس أصابعه في عقلك وقلبك ليعبث بأفكارك ومشاعرك، وكل ذلك دون أن تستطيع أنت فعل شيء سوى الالتزام بالصمت ومحاولة كتم الألم الذي تُحس به في صدرك، مدعياً الأدب والاحترام والإنسانية، أي ببساطة مدعياً الاجتماعية، وهي في خلاصتها مجرد رياء وخداع وليغفر الله لي زلتي!

ولكن، كيف تستطيع اختيار من يقرأ ومن لا يقرأ، ومن يفكر، ومن يبحث، ومن يتجسس، ومن يفعل أي شيءٍ يريد إذا كنت تكتب لتنشر على الإنترنت أمام أعين الجميع؟!!!

السبت، 14 ديسمبر 2013

مَن يُحرِج مَن؟

وبدأ الإحراج العالمي لليبيا يوم 9 ديسمبر حين فضَحَنا مُمَثِّل الأمم المتحدة طارق متري أمام مجلس الأمن (والعالم!) بتقريره الذي ذكر بأن 27 شخصاً قد لقوا حتفهم نتيجةً للتعذيب في سجون ليبيا في السنتين الأخيرتين. هذا الإحراج (الأُممي) تلاه بيانٌ صحفي من منظمة العفو الدولية، بنفس التاريخ، تُطالِب فيه بالتحقيق في وفاة أحد أفراد القوات الخاصة جراء التعذيب أثناء اعتقاله في طرابلس. وفي نفس السلسلة من الإحراجات الدولية صَرَّحت سفيرة الاتحاد الأوروبي في ليبيا بضرورة قيام السلطات الليبية بالسيطرة على جميع (مقرات الاحتجاز)، وتحدثت عن التعذيب بالإضافة إلى العنف وحقوق النازحين والمهاجرين. وكأن كل هذا لا يكفي، فقد جاء كل هذا الإحراج (الإنساني) بالتزامن مع اليوم العالمي لحقوق الإنسان!

موقفٌ مُحرِجٌ بلا شك، أن يكتشف العالم بأن الشعب الليبي كان يكذب حين ادعى بأن ثورة 17 فبراير هي ثورة تطالب باحترام الحقوق الإنسانية! وأن يتضح أن اتهامنا لنظام القذافي بارتكاب جرائم التعذيب كان مجرد (بروباجاندا) عادية في سياق تشويه سمعته. نحن شعبٌ عنيف ودموي إلى أقصى الحدود، والتعذيب بالنسبة لنا مجرد هواية لقتل الوقت (والأسرى أيضاً!)؛ ولذلك فإن مواقفاً دوليةً من هذا النوع بلا شك سوف تُحرِجُنا وتفضحُنا... أليس كذلك؟

بالطبع سوف نقول بأن هذه الجرائم لا تُمثِّل إرادة الشعب، ومَن يقومون بها هم أشرارٌ مارقون يمارسون العنف والترهيب لترسيخ سلطة الرعب والسلاح – أمرٌ حتمي في فوضى ليبيا ما بعد الثورة. جرائمٌ يرتكبها مجرمون وحسب، سواءً أكانوا ثواراً حقيقيين قاتلوا ونزفوا في الجبهات، أو أشباه ثوارٍ جمعوا السلاح المترامي بعد انتهاء المعركة؛ فأي شخص يَسجِن أناساً دون أدلة ودون حقوق إنسانية ويُعذِّبهم ويقتلهم هو مُجرد مجرم لا يمتلك أي حق أو شرعية، يمتلك فقط سجناً وأدوات تعذيب. وهذه الجرائم لا تُمثِّل الشعب الليبي الذي ثار أصلاً ضدها؛ وبالتالي فإن هذا (الإحراج العالمي لليبيا) قد لا يكون إحراجاً وإنما (دعماً دولياً لليبيا) لكي تواجه مشكلة التعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان، بل هو دعمٌ حتى لشرعية الحكومة التي يجب أن تدعم حقوق الإنسان في مواجهة الكتائب والمليشيات والعصابات التي تنتهك هذه حقوق. إذا كان هذا هو الواقع، فلابد أن الحكومة المُنتخَبة سوف تُعبِّر عن إرادة الشعب المؤيدة لحقوق الإنسان والرافضة لهذه الانتهاكات، وسوف تكون سعيدةً بهذا الدعم الدولي لشرعيتها... أليس كذلك؟

الجمعة، 13 ديسمبر 2013

باراسكيفيديكاتريافوبيا...


واليوم هو يوم الجمعة 13، أحد أشهر أيام السنة الميلادية! وربما الفرصة الوحيدة لمن هم مثلي للاحتفال بشيءٍ ما في نهاية السنة، على الأقل هذه السنة التي جاءت فيها الجمعة 13 في شهر ديسمبر... طبعاً الاحتفال في نفس المقعد دون تغيير وضعية الجلوس أو القيام بأي شيء مُميَّز... ربما الاحتفال وصف غير سليم، ربما فقط (الانتباه) لهذا التاريخ...

لا أعلم بالضبط لماذا أريد الحديث عن هذا اليوم، ولكن لم لا...

في عالمنا العربي والإسلامي لا يعني لنا التشاؤم شيئاً، على الأقل لا يرتبط في ديننا وتراثنا أي شيء بيوم الجمعة أو بالرقم ثلاثة عشر، بل على العكس، يوم الجمعة يومٌ مُباركٌ عندنا. ومع ذلك، وإن نجى يوم الجمعة من الوقوع في هاوية التشاؤم والخرافات، فإن الرقم ثلاثة عشر لم يكن محظوظاً بنفس الدرجة، فقد تسربت إليه عندنا بعض تلك الخرافات التشاؤمية من الغرب. ومع ذلك فالحديث هنا سيكون عن هذا اليوم في الثقافة الغربية... وبما أننا نعتمد اليوم على الغرب في كل شيء، الأفلام، الموسيقا، الأخبار، الموضة، الفنون بجميع أنواعها، التكنولوجيا، الطعام، الفيزياء، الأشجار، لا أعلم... المهم أننا نعتمد عليهم في كل شيء ونستورد ثقافتهم بالطن يومياً، ولذلك ليس غريباً أن نتحدث عن هذا اليوم وأصوله في الثقافة الغربية التي نحاول جاهدين استنساخها...

 موضوع ليوم آخر... أو بالأحرى صداع ليوم آخر...

الجمعة، 6 ديسمبر 2013

الأشخاص الذين يستحقون الصمت في زمن الثرثرة.


عرفتُ زياد بن حليم لفترةٍ لم تكن طويلة، ولكنها كانت كافيةً لأعلم بأن رحيله عنا مأساة...

مَن يعرفون زياد جيداً سيسترجعون ذكرياتهم معه: رحلاتهم وأسفارهم ومغامراتهم، قصصٌ مُبهِرة، وأخرى مُضحِكة، وغيرها مجنونة! للأسف مغامراتي مع زياد كلها تدور حول طاولات مقهى بكرج... آخرون قد يتحدثون عن سيرته: نشاطه السياسي والمدني، عمله، معارفه، مشاريعه... جوانبٌ مهمة في حياة زياد، سيفتقده كثيرون بسببها، وله مني كل الاحترام والتقدير والإعجاب عليها بالرغم من عدم معرفتي الدقيقة بكل تفاصيلها. وهنالك من سيتحدثون عن ثقافة زياد وعقليته (وأنا من هؤلاء) عن معرفته الواسعة، وبحثه الدائم عن معلوماتٍ جديدة، مهاراته في المناظرة، منطقيته وعقلانيته، دعمه للحرية الفردية، وقوفه مع تحرير العقول بدلاً من استعبادها، بحثه عن الحقيقة وتقديمها على أي مصالح أو وجهات نظر شخصية – لقد كان زياد رحمه الله عبقرياً، دون أي مبالغة... وبالطبع، فإن أي شخص يتحدث عن زياد لن ينسى ذكر فكاهته وطرافته، سخريته اللاذعة، التي حين تختلط بعبقريته فهي تصبح سلاح دمارٍ شاملٍ (مرةً أخرى بدون أي مبالغة!)...

أشياءٌ كثيرة سيتذكرها الناس عن زياد وسيتحدثون عنها... أي إنسان يمشى فوق هذه الأرض ستكون له سيرة حياةٍ، ولكن الفرق في قراءة سير الناس قد يكون تماماً كالفرق بين قراءة فاتورة كهرباء وبين قراءة ديوان شعر: هنالك أناس، وهنالك أناسٌ رائعون... زياد كان إنساناً رائعاً بكل معنى الكلمة...

وبالرغم من كل ما يمكن كتباته عن زياد رحمه الله فإنني أريد الكتابة عن صفة مُحدَّدة في زياد: زياد رحمه الله كان كثير الكلام... من يعرفون زياد قد يمزحون حول كثرة كلامه وبراعته في السيطرة على مجرى الحوار! الكثير من الناس كثيرو الكلام، ولكن قليلون جداً هم من يستحقون فعلاً أن نصمت ونستمع لكلامهم...

زياد بن حليم رحمه الله كان أحد الأشخاص الذين كنتُ أحب أن أصمت وأستمع لكلامهم...

بمجرد أن تجلس معه يمكنك أن تكون على ثقة بأنك سوف تستفيد... زياد رحمه الله لم يكن فيلسوفاً، أعني أنه لا يتحدث فقط عن مفاهيمٍ مُجرَّدة ومبادئ مثالية وتعريفات أكاديمية، بلا شك كان يعرف هذه الأشياء ويستطيع أن يتفلسف حولها، ولكن حين تستمع إليه فأنت تُدرك أنه لا يفكر فيها، وإنما يُفكِّر في الجانب العملي: يعرف النظرية ويُفكِّر في التطبيق – وهذا ما كان زياد يتحدث عنه، ولهذا كنتُ أحب أن أصمت في حضرته بقدر الإمكان (من الصعب مقاومة تلك الرغبة الليبية الحارقة في المعارضة والنقد!). كل الناس مثلاً يتحدثون عن الفساد، وضرورة إنهاء الفساد، ولكن اسأل شخصاً واحداً كيف ستفعل ذلك، وإن لم يقل لك (بتفعيل القضاء وتطبيق القانون!) وهي إجابة أسوأ من السؤال لأنها غير عملية إطلاقاً، فإنه لن يستطيع إجابتك... زياد رحمه الله لم يكن من هذا النوع، زياد كان من العقول التي تتجاوز الحديث عن القيم والمبادئ والأخلاق والدين وغيرها من المثاليات المستحيلة، لن يُحدِّثك عن الضمير والوازع الديني وتطهير القضاء للقضاء على الفساد، لكنه سيبدأ فوراً بالحديث عن الموظف، والمكتب، والمبنى، والخدمات، والدورات، والمُحفِّزات، والمدراء... زياد كان يُفكِّر فعلاً في توفير (إجابة) للسؤال وليس فقط إعادة طرح نفس السؤال ولكن دون علامة استفهام...

لقد كان زياد يعرف بالضبط عن أي شيءٍ يتحدث، يبحث عن الإجابات التي تُحوِّل المشكلة المطروحة مِن لغزٍ فلسفي إلى خطة عملٍ يمكن فعلاً تنفيذها... وربما كان هذا هو سبب تفاؤل زياد وإيمانه بالمستقبل؛ لأنه كان يعرف كيف يمكننا أن نصل لهذا المستقبل، فكان يراه بوضوحٍ أفضل من بقية المتفائلين العميان...

هذه العقلية العملية (والمتفائلة) ربما كانت السبب في توافد الناس على مقهى (بكرج) لطرح فكرة على زياد، مناقشة مشروع معه، عرض مسوَّدةٍ عليه، سؤاله عن مُخطَّطٍ ما... لقد كان زياد مستشاراً يتزاحم عليه الجميع: ينصرف زياد عن الطاولة التي نجلس حولها في المقهى، ليجلس في زاويةً ما مع بضعة شباب يناقش معهم مشروعاً تجارياً، ثم تراه يقف في زاويةٍ أخرى مع شخص يعرض عليه أوراقاً ومستنداتٍ مختلفة لمشروعٍ سياسي، ثم تجده يجلس داخل المبنى الصغير في المقهى مع بضعة أشخاص حول كمبيوتر للإطلاع على تفاصيل دورةٍ تدريبية، أو تجده قد انتقل إلى إحدى الطاولات يتبادل الأفكار مع بعض نشطاء المجتمع المدني حول مشروعٍ خيري... الجميع كانوا يريدون سماع رأي زياد؛ لأن آراءاه كانت حديثة، مبتكرة، إبداعية، وفوق كل شيء: واقعية وعملية... ولعل هذا من أكثر ما يُحزنني في رحيل زياد؛ فالأشخاص مثل زياد رحمه الله، أصحاب العقول الواعية والعملية، هم من يُمهِّدون الطريق لبناء المستقبل... اليوم لا يستطيع أحد بناء أي شيء وسط كل هذه الفوضى وهذا الدمار... ولكننا اليوم نستطيع أن نجلس وسط الركام ونبدأ في التعلم شيئاً فشيئاً: زياد بن حليم كان أحد المُعلِّمِين... كان أحد الأشخاص الذين لا يضايقونك بالدعوة للتفاؤل الأعمى والوقوف في طابور انتظار الفرج، كلا، زياد كان يُقنعك بالتفاؤل لأنه كان يعرف ماهية التفاؤل: زياد كان يُعلِّمك كيف تبني ذلك المستقبل الذي نتشوق إليه، يشرح لك التفاصيل العملية والواقعية، فتُدرك فجأةً بأن التفاؤل بالنسبة لزياد وأمثاله ليس مجرد أملٍ مستحيل ولكن التفاؤل هو خطة عمل...

إن رحيل زياد المفاجئ هو بالفعل خسارة كبيرة لمستقبل بنغازي خاصةً وليبيا عامةً؛ فنحن اليوم في أمس الحاجة لأشخاص يُفكِّرون مثل زياد ويُعلِّمون مثل زياد...

اعذرني يا زياد على هذه الكلمات التافهة... وسامحني لأني لم أتواصل معك كما ينبغي في الشهر الفائت... وشكراً يا سيدي، شكراً على كل الدروس التي تعلمتها منك، وشكراً لأنك أوثقت في داخلي الأمل في أن هنالك حلول وهنالك إجابات: نحن فقط نحتاج لأن نجد شخصاً رائعاً مثلك يستحق الصمت، يستحق أن نستمع له بدلاً من أن نُغرقه معنا في ثرثرة هذا الزمن الذي أصبح فيه الجميع يتحدثون ويتفلسفون، وقليلون جداً من يُعلِّمون...

رحمك الله يا زياد، وغفر لك، وأسكنك فسيح جناته... ورزق الله ذويك الصبر على فراقك... ورزق كل أحبابك وأصدقائك ومعارفك وتلاميذك الصبر على فقدك... ورزق بنغازي وليبيا أيضاً الصبر على مواجهة هذا الحاضر بدونك...


رحمك الله يا زياد...

الاثنين، 16 سبتمبر 2013

رثاء عمر المختار.



رَكَزوا رُفاتَكَ في الرِمالِ لِواءَ
يَستَنهِضُ الوادي صَباحَ مَساءَ
يا وَيحَهُم نَصَبوا مَناراً مِن دَمٍ
توحي إِلى جيلِ الغَدِ البَغضاءَ
ما ضَرَّ لَو جَعَلوا العَلاقَةَ في غَدٍ
بَينَ الشُعوبِ مَوَدَّةً وَإِخاءَ
جُرحٌ يَصيحُ عَلى المَدى وَضَحِيَّةٌ
تَـتَلَمَّـسُ الحُرِّيَةَ الحَمراءَ
يا أَيُّها السَيفُ المُجَرَّدُ بِالفَلا
  يَكسو السُيوفَ عَلى الزَمانِ مَضاءَ
تِلكَ الصَحاري غِمدُ كُلِّ مُهَنَّدٍ
أَبلى فَأَحسَنَ في العَدُوِّ بَلاءَ
وَقُبورُ مَوتى مِن شَبابِ أُمَيَّةٍ
وَكُهولِهِم لَم يَبرَحوا أَحياءَ
لَو لاذَ بِالجَوزاءِ مِنهُم مَعقِلٌ
دَخَلوا عَلى أَبراجِها الجَوزاءَ
فَتَحوا الشَمالَ سُهولَهُ وَجِبالَهُ
وَتَوَغَّلوا فَاِستَعمَروا الخَضراءَ
وَبَنَوا حَضارَتَهُم فَطاوَلَ رُكنُها
دارَ السَلامِ وَجِلَّقَ الشَمّاءَ


خُيِّرتَ فَاِختَرتَ المَبيتَ عَلى الطَوى
لَم تَبنِ جاهاً أَو تَلُمَّ ثَراءَ
إِنَّ البُطولَةَ أَن تَموتَ مِن الظَما
لَيسَ البُطولَةُ أَن تَعُبَّ الماءَ
إِفريقيا مَهدُ الأُسودِ وَلَحدُها
      ضَجَّت عَلَيكَ أَراجِلاً وَنِساءَ
وَالمُسلِمونَ عَلى اِختِلافِ دِيارِهِم
لا يَملُكونَ مَعَ المُصابِ عَزاءَ
وَالجاهِلِيَّةُ مِن وَراءِ قُبورِهِم
يَبكونَ زيدَ الخَيلِ وَالفَلحاءَ
في ذِمَّةِ اللَهِ الكَريمِ وَحِفظِهِ
جَسَدٌ بِبُرقَةَ وُسِّدَ الصَحراءَ
لَم تُبقِ مِنهُ رَحى الوَقائِعِ أَعظُماً
تَبلى وَلَم تُبقِ الرِماحُ دِماءَ
كَرُفاتِ نَسرٍ أَو بَقِيَّةِ ضَيغَمٍ
باتا وَراءَ السافِياتِ هَباءَ
بَطَلُ البَداوَةِ لَم يَكُن يَغزو عَلى
تَنَكٍ وَلَم يَكُ يَركَبُ الأَجواءَ
لَكِن أَخو خَيلٍ حَمى صَهَواتِها
وَأَدارَ مِن أَعرافِها الهَيجاءَ
لَبّى قَضاءَ الأَرضِ أَمسِ بِمُهجَةٍ
لَم تَخشَ إِلّا لِلسَماءِ قَضاءَ
وافاهُ مَرفوعَ الجَبينِ كَأَنَّهُ
سُقراطُ جَرَّ إِلى القُضاةِ رِداءَ


شَيخٌ تَمالَكَ سِنَّهُ لَم يَنفَجِر
كَالطِفلِ مِن خَوفِ العِقابِ بُكاءَ
وَأَخو أُمورٍ عاشَ في سَرّائِها
فَتَغَـيَّرَت فَتَـوَقَّعَ الضَرّاءَ
الأُسدُ تَزأَرُ في الحَديدِ وَلَن تَرى
     في السِجنِ ضِرغاماً بَكى اِستِخذاءَ
وَأَتى الأَسيرُ يَجُرُّ ثِقلَ حَديدِهِ
أَسَـدٌ يُـجَرِّرُ حَيَّةً رَقطاءَ
عَضَّت بِساقَيهِ القُيودُ فَلَم يَنُؤ
وَمَشَت بِهَيكَلِهِ السُنونَ فَناءَ
تِسعونَ لَو رَكِبَت مَناكِبَ شاهِقٍ
لَتَرَجَّلَت هَضَباتُهُ إِعياءَ


خَفِيَت عَنِ القاضي وَفاتَ نَصيبُها
مِن رِفقِ جُندٍ قادَةً نُبَلاءَ
وَالسُنُّ تَعصِفُ كُلَّ قَلبِ مُهَذَّبٍ
عَرَفَ الجُدودَ وَأَدرَكَ الآباءَ
دَفَعوا إِلى الجَلّادِ أَغلَبَ ماجِداً
يَأسو الجِراحَ وَيُعَتِقُ الأُسَراءَ
وَيُشاطِرُ الأَقرانَ ذُخرَ سِلاحِهِ
وَيَصُفُّ حَولَ خِوانِهِ الأَعداءَ
وَتَخَيَّروا الحَبلَ المَهينَ مَنِيَّةً
لِلَّيثِ يَلفِظُ حَولَهُ الحَوباءَ
حَرَموا المَماتَ عَلى الصَوارِمِ وَالقَنا
مَن كانَ يُعطي الطَعنَةَ النَجلاءَ
إِنّي رَأَيتُ يَدَ الحَضارَةِ أولِعَت
بِالحَقِّ هَدماً تارَةً وَبِناءَ
شَرَعَت حُقوقَ الناسِ في أَوطانِهِم
إِلّا أُباةَ الضَيمِ وَالضُعَفاءَ
يا أَيُّها الشَعبُ القَريبُ أَسامِعٌ
فَأَصوغُ في عُمَرَ الشَهيدِ رِثاءَ
أَم أَلجَمَت فاكَ الخُطوبُ وَحَرَّمَت
أُذنَيكَ حينَ تُخاطَبُ الإِصغاءَ
ذَهَبَ الزَعيمُ وَأَنتَ باقٍ خالِدٌ
فَاِنقُد رِجالَكَ وَاِختَرِ الزُعَماءَ
وَأَرِح شُيوخَكَ مِن تَكاليفِ الوَغى
وَاِحمِل عَلى فِتيانِكَ الأَعباءَ

أحمد شوقي. 




ذكرى استشهاد عمر المختار رحمه الله.


اليوم، 16-09، هو ذكرى استشهاد شيخ الشهداء عمر المختار رحمه الله. الذكرى الثانية والثمانين لإعدامه رحمه الله مِن قِبل قوات الاحتلال الإيطالي. إنها مناسبة تاريخية حُرمنا من تذكرها لعقود طويلة، فهي، وإن كانت تؤرخ للقضاء على المقاومة ضد الاحتلال باستشهاد آخر قادتها، إلا أنها في نفس الوقت تؤرخ لمسيرة أحد أبرز أبطال ليبيا، الرجل الذي كنا ولازلنا نفتخر به، الرجل الذي رفع رؤوسنا عالياً في كل مكان، فكان بالفعل قد انتصر على أعدائه بالخلود، وانتصر لشعبه بالفخر الأصيل.

ولكن اليوم لا يُسمى (يوم عمر المختار) أو (ذكرى عمر المختار) أو أي شيء له علاقة بعمر المختار أو المجاهدين ضد الاحتلال الإيطالي، ولكنه يُسمى (عيد الشهيد)، حيث يبدو أن المسؤولين لم ينتبهوا إلى أن تاريخ 17-2 سيرمز أصلاً لكل ما له علاقة بثورة فبراير، بما في ذلك تضحيات الشهداء، فقاموا بدمج يوم تكريم شهداء الثورة مع ذكرى استشهاد عمر المختار واختلط التاريخ القديم بالتاريخ المعاصر.

الجمعة، 13 سبتمبر 2013

تعليق على مقالة القذافي ليس الشيطان.


الفطرة، الطبيعة الإنسانية، والخير والشر...


محمد الغزالي والفطرة.

منذ فترةٍ قصيرة قرأتُ كلاماً قيماً للشيخ محمد الغزالي رحمه الله يُناقش فيه فكرة (الفطرة)، وقد تساءل عن معيار الفطرة الإنسانية الطبيعية، وخلص إلى أن الفطرة السليمة هي المعيار الوحيد، وأن أي أمراض نفسية وخُلقية لا تعتبر من الفطرة الطبيعية – الانحراف والانفلات ليس فطرة. وبعيداً عن المجادلات العقلية – المنطلقة من أساس ديني – التي ساقها لتأييد فكرته، فقد استدل بشيء آخر أثار اهتمامي كثيراً. هي ملاحظة كثيراً ما نمر عليها نحن المسلمون لكننا لا نُدرك أعماقها.

الشيخ محمد الغزالي رحمه الله كان كثير القراءة لكتب العلوم والآداب الإنسانية كالفلسفة وعلم النفس والاجتماع، والعلوم التطبيقية كالفلك والفيزياء وغيرها – وهو ما يبدو واضحاً في ثقافته الواسعة وكتاباته الغنية. وقد سبق أن وضَّح أن هذا الشغف كان إيماني الهدف؛ فالمؤمن يجب أن يبحث عن قدرة الله ويسعى لفهمها في كل مكان وفي كل مجال. ومن هذا المنطلق فإنه لا يبدو غريباً أن نجد أن قراءات الشيخ الغزالي للفكر الغربي – التي كانت بهدفٍ إيماني – قد كانت نتيجتها أن الشيخ الغزالي قد ربط التوافق بين أقوال بعض من المفكرين والفلاسفة الغربيين وبين تعاليم الإسلام مع فكرة الفطرة السليمة والطبيعة الإنسانية.

هذا الربط الذي قام به الشيخ الغزالي يُبرز لنا الفكرة التي ذكرتُ سابقاً أننا كثيراً ما نمر عليها ولكننا نغفل عنها. فنحن كثيراً ما نمر على أقوال لمفكرين غربيين ونتفاجأ بأنها مماثلة لما جاء به ديننا الحنيف (أذكر مرةً أنني تحدثت مع جدي العزيز حفظه الله عن الكاتب الروسي الشهير ليو تولستوي رحمه الله (وهي دعوة أقولها بثقة وبتقدير حقيقي...) وأخبرته أنني صُدمت ببعض ما كتبه هذا الرجل مما يمكن تصنيفه على أنه فكرٌ إسلامي!!! فقال لي جدي: (فيه خُلق الإسلام...) في إشارةٍ إلى ما ورد في الأثر عن أن الرسول عليه الصلاة والسلام وصف حاتم الطائي – مضرب الأمثال في الكرم – بأن فيه خُلق من أخلاق ديننا الحنيف.) كثيراً ما نمر على أقوال مفكريين غير مسلمين موافقة لتعاليم الإسلام، وربما استدل البعض بذلك على أن الإسلام هو الدين الحق، ولكن ما نغفل عنه في الأغلب هو أن هذا فيه توكيد لمبدأ إسلامي آخر، وتوضيح لفكرة مهمة، فإن قلنا بأن الإسلام دين الفطرة، وأسلمنا بأن الفطرة الإنسانية الطبيعية هنا هي الفطرة السليمة الخالية من الانحرافات، فإن موافقة بعض الأفكار (غير الإسلامية) لهذه الفطرة هي دليل على أن الفطرة الإنسانية الطبيعية هي بالفعل الفطرة السليمة، وهذا ما يجادل به الشيخ الغزالي عن طريق الاستشهاد بأقوال مفكرين غير مسلمين تؤكد بأن العقول البشرية كثيراً ما تميل إلى إقرار حقيقة أن الطبيعة الإنسانية أصلها هو الخير – الفطرة السليمة هي الأصل.

الثلاثاء، 3 سبتمبر 2013

هل الشعب الليبي شعبٌ صالح؟


هل كان معمر القذافي رجلاً صالحاً؟

لن يختلف عاقلان حول إجابة هذا السؤال...

ولكن...

هل الشعب الليبي شعبٌ صالح؟

هنا سنقع في مأزق التمييز بين العاقل والمجنون بحسب الإجابة؛ فالاختلاف هنا ليس مبنياً على الولاء السياسي أو حتى المصالح الشخصية، كلا، بل الاختلاف هنا مبنيٌّ على اليأس والأمل – يمس جوهر الإنسان وروحه، ونحن على استعداد لوصف شخص بأنه مجنون لمُجرد أنه اشترى شيئاً كنا نستطيع التحصل عليه بربع دينار أقل، فما بالنا بمن يخالف جوهر وجداننا، ويعارض هلوساتنا وأوهامنا، أقصد مخططاتنا وأحلامنا! إن الشخص الذي يُحجب شمس أملنا بغيوم اليأس، أو يُطارد ظلال يأسنا بمشعل الأمل الملتهب، هذا الشخص يستحق أوصافاً أسوأ من الجنون...

ونعود للسؤال الثاني...

هل الشعب الليبي شعبٌ صالح؟

دعونا قبل التفكير في السؤال نجلس معاً ونستمع (أو نقرأ) بعضاً من القصص، ونهز رؤوسنا بصمتٍ وتفهُّم ونُعلِّق بلا حول ولا قوة إلا بالله...

الجمعة، 30 أغسطس 2013

القذافي ليس الشيطان...

إذا سألنا أي ليبي أو ليبية عن مصدر كل الشر في بلادنا خلال العقود الأربعة الماضية فبالتأكيد الجواب سوف يكون: القذافي. هذه حقيقة لا يختلف عليها اثنان؛ القذافي كان تجسيداً للظلم والطغيان، إله الدماء والرماد، مشعوذ الفساد والانحطاط... وضع في عنق ليبيا قيوداً من نار، سمم لها الحياة، وخلع عنها الكرامة، وجعل رزق يومها أشواك الظلم وسياط الاستبداد.

ولكن القذافي – وإن كنا نراه شيطان ليبيا الأكبر – ليس الشيطان الحقيقي...

كل الكوارث التي خنقت ليبيا على مدى أربعين سنة هي من تخطيط وتنفيذ القذافي؛ فهو قد أرسى دعائم سلطانه بالظلم، وبنى عرشه بالجثث والدماء – الاستبداد كان (ضرورياً) له من أجل أن يدوم في سلطته. وفوق ذلك كله فقد اجتهد القذافي في لعن بلادنا بتعاويذه السوداء، ألقى بذوره المسمومة في النيران ونفخ الأدخنة التي تصاعدت منها لتغمر البلاد كلها؛ فإما يسيطر على البشر بسحره فيسخطهم أتباعاً له، أو يخنقهم بدخان شعوذته وظلمه...

وبالرغم من كل ذلك – بالرغم من فساده، وبالرغم من نشره لعدوى فساده – فالقذافي ليس الشيطان، إنه مجرد رجل...

الخميس، 8 أغسطس 2013

عيدٌ... عادي...


عيد...

وهلَّ هلال العيد، على المسلمين سعيد، وكل عام والجميع بألف خير بمناسبة عيد الفطر المبارك، وبمناسبة يوم الخميس، وبمناسبة نهاية الأسبوع، وبمناسبة مرور الوقت، وبمناسبة الساعة 7 مساءاً وحتى الساعة 6 صباحاً... وهذا بالضبط ما يعنيه لي العيد: مجرد موعد آخر، مثله مثل أي شهر أو يوم أو ساعة... وقت عادي جداً.

ملاحظة رسمية: إن الفرحة التي تعم الناس في عيد الفطر المبارك هي فرحة نتشاركها جميعاً، ونساهم في نشرها بالمعايدات والزيارات والأماني الطبية. وإنه من واجب كل مواطن أن يشارك في احتفاليات العيد، شكراً لله سبحانه وتعالى على كل نعمه علينا، وتقويةً لوشائج الحب والتعاون، وتوثيقاً لروابط المودة والتضامن. وفي هذه المناسبة فإننا يجب أن نُنوِّه إلى أن المعايدات والزيارات والفرحة والتهنئة والعيديات وكل أشكال النشاطات الاجتماعية ليست على الإطلاق مظاهراً عابرة أو مجاملاتٍ تفاهة، وإنما هي الصلة الوثيقة التي تربط مجتمعنا وتحميه من الانهيار في هاوية الحرب الأهلية والأزمات العائلية. حفظ الله ليبيا، وكل عام والشعب الليبي العظيم بخير.

ولو كنتُ ناشطاً على الفيسبوك مثلاً، لقمتُ بوضع صورة شخصية تقول بأن هذه الملاحظة الرسمية لا تُمثلني... ولكن، وعلى أي حال، فحفاظاً على وحدة الوطن من الانهيار لابد أن نعتنق كل هذه العادات والتقاليد ونمارسها إلى حد الإرهاق... حتى لو لم يكن هنالك أي شيء نحتفل به. ولن تجد أي مواطن صريح لدرجة أنه سيقول لك: الحمد لله إن رمضان انتهى! إنها مناسبة تدعو للاحتفال! بل سيقول الناس جميعاً: سبحان الله كيف مرَّ رمضان بسرعة هذه السنة، كان خفيفاً جداً! وكأنه شهرٌ من الريش! يا ليت رمضان كان السنة كلها! أي والله، إنعم إنعم، شهر مبارك، كل سنة وأنتو طيبين... نفس الناس الذين يُمضون كل يوم من شهر رمضان في التفكير في كيفية ارتكاب مجزرة بشرية والهرب إلى تونس أو مصر أو أبناء عم والد خال جدهم في البر، نفس الناس الذين يكونون مجرد ألغام بشرية هم نفسهم الذين يقولون يا ليت رمضان يستمر السنة كلها!!! الشيء المثير للعجب هو أن شهر رمضان يمكن أن يستمر السنة كلها، هل تعرفون كيف؟ بأن ندرك أن العبرة ليست في الشهر بقدر ما هي فينا نحن.

الاثنين، 29 يوليو 2013

حين يغيب الحب والجمال عن الشِّعر...

في ثلاثينيات القرن الماضي وقعت إسبانيا في هاوية الحرب الأهلية، وشهدت دماراً وحزناً شبيهاً بما تقاسيه بلادنا الحبيبة الآن، وهي تداعياتٌ حتميةٌ لكل الثورات الحمراء والحروب؛ فالعنف العالق بكفاح الحرية غالباً ما يُخلِّف وراءه جراحاً غائرة لا يمحو آثارها الزمن؛ فحين تحترق البيوت وتُدفن الذكريات تحت ركامها، وحين يقتل الأخ أخيه، حين تجري دماء الأطفال البريئة في الشوارع، حين تُزرع الأرض رصاصاً وتُسقى دماً، فإن ذلك يُشوِّه حاضرنا، ويُورِث تاريخنا ندوباً لا بلاسم تشفيها، ويفرض علينا تغييراً وتحولاً لا يفهمه غيرنا...

وحين اشتد سعير الحرب الأهلية في إسبانيا، كان الشاعر التشيلي الجليل (بابلو نيرودا) مُقيماً فيها، جسداً وروحاً. وكان شعره الرقيق العذب من ضحايا تلك الحرب؛ فقد تخلى نيرودا، مُرغماً، عن حياده السياسي وسلميته، نبذ الحب والطبيعة اللذين يزينان كل بيتٍ في قصائده، فأصبحت قصائده تقطر دموعاً ودماً.

إنَّ القارئ لشعر نيرودا في تلك الفترة سيتفاجأ بلا شك بشدة ألمه، وستصدمه كلماته المــُفجعة. وفي الحقيقة، فإن العالم كله في تلك الفترة تَحيَّر في هذا الانقلاب الذي حدث لشِعر نيرودا وأطاح بالجمال والحب؛ فقد تحولت قصائده من حدائقٍ بديعةٍ تجري فيها أنهار الحب، إلى مقابرٍ مُظلمةٍ تُغطيها غيوم البارود وتغمرها فياضانات الدماء. ردة الفعل هذه، على تغيُّر شعر نيرودا، دفعت به إلى تفسير موقفه وشرحه، فنظم قصيدةً سماها (أنا أفسر بعض الأمور).

الخميس، 25 يوليو 2013

فلسطين...

لم أستطع أن أجد عنواناً لهذه الخاطرة سوى محاولة التذكر... وهي ليست (صورة وفكرة) فعلاً، ولكنها صورةٌ وعاصفةٌ من الجراح...

كتبتُ عن ناجي العلي في ذكرى اغتياله... ومن بين رسوماته الرائعة مررتُ على لوحة ذكرتني ببيت شعر لإبراهيم طوقان...

قــضيــةٌ نــبــذوهـا بعدما قُتــِلَــتْ،    ما ضــرَّ لـو فــتحوا قـــبراً يُوارِيها



الفكرة الأولى: كل شيءٍ مُرتبط، إبراهيم طوقان وناجي العلي، الشعر والرسم، الماضي والحاضر... كل شيءٍ مُرتبط...
الفكرة الثانية: قالها إبراهيم طوقان منذ 60 سنة، ورسمها ناجي العلي منذ 30 سنة، واليوم نكاد ننساها...
الفكرة الثالثة: اللهم ارحم فلسطين... والرحمة تجوز على الحي والميت... وتبقى فلسطين سؤالاً... اللهم ارحم فلسطين...
الفكرة الرابعة: أبكي على فلسطين، ولكني لا أنسى ليبيا، وأغضب على ليبيا، ولكني لا أنسى فلسطين...
الفكرة الخامسة: إلى متى سنذكر؟ ومتى سننسى؟ وما الذي يجعلنا نتذكر؟ وما الذي سيرغمنا على أن ننسى؟

فلسطين...

فــــلــــســــطـــــيـــــن...

فـــــــــ
    ـــــــلـــــــ
         ــــســــــ
                 ــــطـــــ
                         ـــــيـــــــ
                                   ـــــــــن...

شيئاً فشيئاً تتلاشى من عقولنا... شيئاً فشيئاً تُصبح قضيةً مُجرَّدة، حروفاً مُبعثرة، أرواحاً مُشرَّدة، شعباً مُنقرِضاً، أرضاً خرافية...

شيئاً فشيئاً لم أعد أعرف هل أفرح بأننا مازلنا نبكي عليها، دون أن نفعل شيئاً، أم أُعلل نفسي بأننا سوف ننساها...

أمـــــس كُـــــنّا.. وأمــــس كُـــــنّا وكُنّا       وصـــــروفُ الــــزمــانِ دارتْ علــــينا
الفـــــتى الحــــرُّ بـــاتَ عـــــبداً ذلـــيلاً        والــزعــيمُ المــــهـــيـــبُ أصــــبـحَ قِــــــنّا
في ظـــــلامِ التــابـوتِ نـــفتــحُ عـيناً        وشـــمـوس الحـــياة تُـــغمِضُ عـــينا
الطغاةُ الأجلافُ صالوا وجالوا        آخٍ منـــهم، وآخ مــــنّا.. ومــــنّــــا
والغـــــزاةُ العلوجُ عــــبءٌ ثــــقــــيــــلٌ         مـــــلءَ لـــــيلٍ أهـــــوى وجَــنَّ وجُنّا
وتصـــيحُ العــيونُ خـــــزياً ورعـــــباً:        يا هلالَ التاريخ أينكَ.. أينا؟!

سميح القاسم.


ن والقلم وما يسطرون...


في عُمق أحد المواقع المــُثيرة للاهتمام، وجدتُ مقالةً تتحدث عن تاريخ القلم... بالطبع القلم عندنا قد يعني أشياءً كثيرة. لسان العرب يشرع فوراً في تعريف القلم المستخدم للكتابة، ويُورِد الكلمات التي ترتبط به نظراً لارتباطها بصفة البري أو القطع، كالأسهم أو عيدان القصب التي قد تُوصف بأنها أقلام لأنها تُبْرى. وكذلك حال القاموس المحيط. ولكن معجمي الصحَّاح ومقاييس اللغة يُركِّزان على أصل كلمة قلم نسبةً إلى فعل التقليم (قلَّم)، ومن هنا نُدرك أن أصل كلمة القلم قد جاء من حاجة أدوات الكتابة إلى التقليم (البري) لكي يُكتب بها. ولكن هذا الأصل اللغوي – وإن كنا نستطيع أن نجد فيه دلالاتٍ فلسفية – لا يرتبط مباشرةً بمعنى القلم عندنا اليوم؛ فهو لم يعد كل ما يتم بَرْيُه، ولكنه أصبح كل ما تتم الكتابة به، فقد يكون ريشةً، أو قصبةً، أو قلم حبر، أو قلم رصاص... والمقالة التي اطلعتُ عليها حول تاريخ القلم، تتحدث عن تاريخ قلم الرصاص.

تاريخ قلم الرصاص.

المعلومات الواردة في المقالة جميلةٌ جداً. هي تذكر أولاً أن مُخترع قلم الرصاص هو العالم (نيكولاس-جاك كونت)، الذي كان يعمل في جيش نابليون بونابارت، وقد ابتكر كونت قلم الرصاص (كما نعرفه اليوم) عام 1795م. والحقيقة أن كونت لم يبتكر قلم الرصاص فعلاً بقدر ما أنه طوَّره، فمادة (الجرافيت) التي استخدمها سبق استخدامها منذ القدم للكتابة. فتذكر المقالة أن حضارة الأزتيك الجنوب أمريكية قد استخدمت هذه المادة لرسم الإشارات، هذا عدا عن أن المادة استخدمت للكتابة منذ اكتشافها في أوروبا في القرن الخامس عشر. وحتى الاسم الذي مُنح للمادة بعد اكتشفاها له دلالة متعلقة بالكتابة، فتسمية (جرافيت Graphite) مشتقة من الكلمة اليونانية graphein والتي تعني "أن تكتب". ولا تغفل المقالة عن ذكر خطأ تاريخي ارتبط بقلم الرصاص، وهو أن مادة الجرافيت إبان اكتشافها ساد اعتقادٌ بأنها من أنواع الرصاص Lead ولذلك ارتبط بها وصف الرصاص لفترة طويلة. بالطبع في الغرب لديهم تسمية Pencil وبالتالي لم يعد لهذا الخطأ موجوداً عندهم في وصف القلم، ولكن المثير للاهتمام هو أن هذا الخطأ الوصفي مايزال مستمراً عندنا في اللغة العربية: قلم رصاص. والحقيقة أن هذه الملاحظة تدل على أن ترجمة هذا المصطلح إلى العربية كانت مُبكرةً جداً، إما ترجمة مصطلح قلم الرصاص، أو – وهو الأرجح – الترجمة المتعلقة بالجرافيت نفسه. وعلى أي حال فهي دلالة تاريخية على اهتمام قديم بالترجمة والعلم ضاع اليوم للأسف.

نيكولاس-جاك كونت، مبتكر قلم الرصاص المــُعاصر

المقالة تذكر أيضاً معلومات أخرى عن تاريخ القلم، مثل طرق تحضير كونت للأقلام، بتغليف الجرافيت بعد خلطه بالماء والطين في درجة غليان كبيرة، وتغليف الجرانيت بالخشب (كما هو الحال إلى اليوم) يكون بحسب الاستعمال، فقد يكون مُربَّعاً، وقد يكون دائرياً... كما تذكر المقالة بعض المعلومات المتعلقة بتجارة الجرافيت، التي وجدت سوقاً كبيراً بعد رواج قلم الرصاص (هذا الخطأ التاريخي أصبح يضايقني! الرصاص!) التجارة المبنية على الأقلام كانت كبيرة، وبالتالي لم تخلُ من مظاهر الاستغلال والتهريب وغيرها من أمور طريفة حين ندرك أنها كلها مغامرات إجرامية وسياسية واستعمارية متعلقة بأقلام الرصاص!

الاثنين، 22 يوليو 2013

حنظلة... بكلمات ناجي العلي...



(أما حنظلة، فلم أرسمه بدافع الفذلكة أو العبثية، والإنسان اللي على علاقة حميمة مع حنظلة يقدر يستشف إذا كان عم بيبكي إذا كانت عيونه عم تدمع... إذا كان غضبان، مع أنو مش شايف وجهو، وأفضل من حلل وكشف عن شخصية حنظلة الشاعر العراقي الكبير بلند الحيدري كتب عن حنظلة وقال أنه يتطلع للأمام، يؤرخ، يسجل، يتبنى القضايا، يعرف أصدقاءه من أعدائه.. يجذب اهتمام الناس للقضايا لأنه يتفاعل مع الأحداث والذي يستخف في موقف حنظلة قال بلند أنه هو من يدير ظهره له.

حتى (التكتيفة) اللي كتفتوا إياها في حرب أكتوبر جاءت لتدل على أنه بريء من التسوية، زي الطفل الحردان من أمه لأنها ما أعطته الحلوى، عندما أقوم بتحريك حنظلة لا أفعل ذلك عن افتعال. كان حنظلة في السابق يتكلم مع نكسون باللغة الإنجليزية، يلعب مع أطفال مخيم تل الزعتر في لبنان، يقطع النهر، يغني طاق طاق طاقية، أنا بلا هوية، يهزج ويقول ويحكي.. ولكن وقت الجد يكون حنظلة في موقعه، ويتفاعل مع الناس، أنا لا أحرك حنظلة كالبهلوان أو المهرج، حنظلة له كرامته وهو ليس أراجوز، وليس توم وجيري، ويوجد كثير ممن انتقده بحدة وقال عنو أنو ما بيضحك للرغيف السخن أي أنه غير مرح مع أنهم لم يروا وجهه وأنا أحب أن أقول لهؤلاء حنظلة يعبر عن واقعنا الغير مرح على ما أعتقد وهو في النهاية ليس مهرجاً عند أحد.)

(إنه شاهد العصر الذي لا يموت.. الشاهد الذي دخل الحياة عنوةً، ولن يغادرها أبداً.. إنه الشاهد الأسطورة، وهذه الشخصية غير قابلة للموت، وُلدت لتحيا وتحدت لتستمر.
هذا المخلوق الذي ابتدعته، لن ينتهي من بعدي بالتأكيد، وربما لا أبالغ إذا قلت أنني قد أستمر به بعد موتي.)

ناجي العلي. (من كتاب: ناجي العلي الشاهد والشهيد.)

هذا الولد... ناجي العلي...


"أريده مقاتلاً، مناضلاً ورافضاً لكل ما يجري على الساحة من مؤامرات وخذلان.
وحقيقة الطفل أنه منحاز للفقراء لأنني أحمل موقفاً طبقياً، لذلك تأتي رسومي على هذا النحو، والمهم رسم الحالات والوقائع وليس رسم الرؤساء والزعماء.
إنه شاهد العصر الذي لا يموت.. الشاهد الذي دخل الحياة عنوةً، ولن يغادرها أبداً.. إنه الشاهد الأسطورة، وهذه الشخصية غير قابلة للموت، وُلدت لتحيا وتحدت لتستمر.
هذا المخلوق الذي ابتدعته، لن ينتهي من بعدي بالتأكيد، وربما لا أبالغ إذا قلت أنني قد أستمر به بعد موتي."

ناجي العلي.


العشاء الأخير.

كم هو شريرٌ هذا الولدُ حنظلة
نمنحه الاسمَ الجميلَ ناجي
فيهزأ بنا
عن أية نجاةٍ تتكلمون؟
عن نجاة 1948
أم نجاة 1967
أم نجاة 1982 ؟
عن نجاة أيلول الألوان الأربعة
أم نجاة تل الزعتر وصبرا وشاتيلا
وعين الحلوة؟
أنا المواطن الحلو من مخيم عين الحلوة
أختصر نجاتي وألخص حلاوتكم
في الاسم الحلو الأخير الذي يليق
بي وبكم:
حنظلة!
كم هو شريرٌ وفاضحٌ
هذا الولد حنظلة
نستمرئ الموت ونحلق في سماء
الانتصارات القومية الباهرة
فيشدنا بشعرة من ريشته ويهوي
بنا
إلى حضيض الواقع المهزوم
كم هو قاسٍ هذا الولد
نقرع طبولنا في مواكب الملوك
والرؤساء
فيفقأ طبولنا بقطرة حبر
نرى ما لا نرى فيمسح الأرض
بعزتنا الكاذبة ويشد نعال
آذاننا بلا رحمة:
كم أنتم ساقطون
كم أنتم تافهون
اخرجوا من خلف أكاذيبكم
اخرجوا من حظائر عروشكم
وقصور رئاستكم واعترفوا
بحقارتكم
كم هو شريرٌ وقاسٍ
هذا الولد حنظلة
إنه يقول الحقيقة
شريرٌ وقاسٍ أنت يا حنظلة
لأنكَ جميلٌ في زمن القبح
صادقٌ في زمن الكذب
جريءٌ في عصر الجبناء
أمينٌ في عهد الخونة
طويلٌ في مزرعة المسخوطين
نبيلٌ في بورصة الارتزاق
والارتداد
وكم أنت مثابرٌ ومبدئي في جلدنا
بتذكيرنا بعبوديتنا نحن شم
العرانين الراغمة
المدمنين على مخدرات الكرامة
بلا كرامة
والهمة في القعود
والشرف في العار
قاسٍ أنت وشرير
ومبدئي
فمن أجدر منك بالموت
يا حنظلة
لن تقلق راحة قيلولتنا
بين نعال الغزاة
من إسرائيل حتى أمريكا
لن تقض مضاجعنا المفروشة
بالورد الاصطناعي المستورد
وردٌ صطناعي بنفط خام
هذه هي معادلتنا
فلماذا تنغص علينا سقوطنا
وهواننا
كم أنت جدير بالموت يا حنظلة.
كم أنت جدير بالموت!

سميح القاسم.