الخميس، 8 أغسطس 2013

عيدٌ... عادي...


عيد...

وهلَّ هلال العيد، على المسلمين سعيد، وكل عام والجميع بألف خير بمناسبة عيد الفطر المبارك، وبمناسبة يوم الخميس، وبمناسبة نهاية الأسبوع، وبمناسبة مرور الوقت، وبمناسبة الساعة 7 مساءاً وحتى الساعة 6 صباحاً... وهذا بالضبط ما يعنيه لي العيد: مجرد موعد آخر، مثله مثل أي شهر أو يوم أو ساعة... وقت عادي جداً.

ملاحظة رسمية: إن الفرحة التي تعم الناس في عيد الفطر المبارك هي فرحة نتشاركها جميعاً، ونساهم في نشرها بالمعايدات والزيارات والأماني الطبية. وإنه من واجب كل مواطن أن يشارك في احتفاليات العيد، شكراً لله سبحانه وتعالى على كل نعمه علينا، وتقويةً لوشائج الحب والتعاون، وتوثيقاً لروابط المودة والتضامن. وفي هذه المناسبة فإننا يجب أن نُنوِّه إلى أن المعايدات والزيارات والفرحة والتهنئة والعيديات وكل أشكال النشاطات الاجتماعية ليست على الإطلاق مظاهراً عابرة أو مجاملاتٍ تفاهة، وإنما هي الصلة الوثيقة التي تربط مجتمعنا وتحميه من الانهيار في هاوية الحرب الأهلية والأزمات العائلية. حفظ الله ليبيا، وكل عام والشعب الليبي العظيم بخير.

ولو كنتُ ناشطاً على الفيسبوك مثلاً، لقمتُ بوضع صورة شخصية تقول بأن هذه الملاحظة الرسمية لا تُمثلني... ولكن، وعلى أي حال، فحفاظاً على وحدة الوطن من الانهيار لابد أن نعتنق كل هذه العادات والتقاليد ونمارسها إلى حد الإرهاق... حتى لو لم يكن هنالك أي شيء نحتفل به. ولن تجد أي مواطن صريح لدرجة أنه سيقول لك: الحمد لله إن رمضان انتهى! إنها مناسبة تدعو للاحتفال! بل سيقول الناس جميعاً: سبحان الله كيف مرَّ رمضان بسرعة هذه السنة، كان خفيفاً جداً! وكأنه شهرٌ من الريش! يا ليت رمضان كان السنة كلها! أي والله، إنعم إنعم، شهر مبارك، كل سنة وأنتو طيبين... نفس الناس الذين يُمضون كل يوم من شهر رمضان في التفكير في كيفية ارتكاب مجزرة بشرية والهرب إلى تونس أو مصر أو أبناء عم والد خال جدهم في البر، نفس الناس الذين يكونون مجرد ألغام بشرية هم نفسهم الذين يقولون يا ليت رمضان يستمر السنة كلها!!! الشيء المثير للعجب هو أن شهر رمضان يمكن أن يستمر السنة كلها، هل تعرفون كيف؟ بأن ندرك أن العبرة ليست في الشهر بقدر ما هي فينا نحن.


... بأية حالٍ...

سنقول أنه شهرٌ مبارك، وشهرٌ كريم، وشهرُ خير، وشهر كل شيء، ولكن الشهر لا يفعل شيئاً، ليس له أي تأثير علينا، أبداً، ثلثي العالم من مسيحيين ويهود وبوذيين وهندوس وسيخ وملحدين ووثنيين وأي شيء آخر، كلهم لا يلاحظون أي تغير في حياتهم بمجرد دخول شهر رمضان؛ فالشهر في حد ذاته لا يفعل أي شيء، ولكن نحن الذين نتغير ونعيش حياةً مختلطة بين الروحانية والمودة وبين العصبية والنرفزة. وبمجرد أن ينتهي الشهر فنحن نوقف الروحانية والمودة ونستمر في العصبية والنرفزة، ولكن الآن بدون عذر انقطاع القهوة أو الطعام والشراب! شهر رمضان بالنسبة لنا هو شهر (تظاهر) بالطيبة، وهو أيضاً شهر (الأعذار) للعصبية. عدا عن هذا فالشهر لا يعني لنا شيئاً. وإلا، فلماذا لا تستمر نفس الصفات الجيدة بعد شهر رمضان؟!

لا أعلم عماذا كنت أتحدث بالضبط، ولكن الفكرة هي أن العيد لا يعني شيئاً حقيقياً سوى أننا نكذب على بعضنا البعض، نكذب بالاحتفال بشهر رمضان وكأننا حققنا أي إنجاز (تحطيم أرقام قياسية في النوم ليس إنجازاً...) ونكذب أيضاً بالتظاهر بأننا لا نحتفل بانتهاء شهر رمضان، كلا! أبداً! مستحيل! نحن فقط نحتفل لأننا نريد إضاعة المال والوقت في المجاملات. بالطبع نحن لسنا مجتمعاً من الملائكة، أو حتى الصحابة، شهر رمضان يعني (المظاهر الروحانية) ولا يعني (الروحانية الحقيقية)، وبالتالي فالعيد بالنسبة لنا ليس احتفالاً بما تحصلنا عليه في هذا الشهر من فرص ثمينة للتوبة والاستغفار ولزرع بذور العمل الصالح (الذي نسأل الله أن يتقبله من كل من قام به)، أنا لا أتحدث بالمثاليات حين أناقش بعض جوانب واقعنا، ولكن أحياناً أحتاج لتوضيح أن هنالك فئة صغيرة قد يكون رمضان والعيد بالنسبة لها حقيقياً.

... عُدتَ يا عيدُ

كل ما يضايقني في المسألة هو الطبيعة (المؤقتة)؛ فشهر رمضان شهر العبادة والطيبة المؤقتة، والعيد يوم (أو ثلاثة أيام) المودة والمحبة والمؤقتة، وكل شيء مؤقت، بغض النظر عن مدى كذب أو صدق كل شخص في تصرفاته ومجاملاته. ولأنني على يقينٍ تام - تــــام! – بأن شهر رمضان لم نتعلم منه أي شيء، وبالتالي لن تستمر أي من الخصال الحميدة بعده، فلا أرى سبباً حقيقياً للاحتفال... لعل أفضل مقاربة (مُعاصِرة) لفكرة الاحتفال بالعيد بعد رمضان هي الاحتفال بالتخرج مثلاً أو النجاح بعد الدراسة، ولكن نحن لـــــــم ننجح، كل سنة، كل سنة (لم ينجح أحد!)، وليس لأمرٍ في العيدِ تجديدُ عندنا...

وربما كل هذا الغضب عندي سببه شيءٌ واحد؛ فأنا بصراحة لا أهتم بضياع الوازع الديني والمشاكل الاجتماعية، فأنا إنسانٌ متشائمٌ جداً وأكاد أجزم بأن الإصلاح مستحيلٌ في هذا القرن على الأقل (لابُدَّ من بعض الأمل!) ولذلك لعل السبب الأساسي في غضبي على المظاهر الاحتفالية بالعيد هو ضرورة إقحامي فيها! الجميع يتوقعون منك أن تطير من الفرحة بمناسبة قدوم العيد! وأن لا تنام! وأن لا تُمضي نصف اليوم في ملابس نومك! يجب أن تُعامل هذا اليوم وكأنه يومٌ مُميزٌ جداً، بينما أن هذا اليوم بالنسبة لي لا يختلف عن يوم الجمعة إلا من ناحية كثرة الاحتكاك بالناس، ففي النهاية لابد من بعض المجاملات...

لابد من بعض المجاملات... قد لا تكون كلها مجاملات؛ فنحن ننشغل على مدى السنة ولا نتذكر أننا نحب أهلنا وأقاربنا، ونعتز ببعض أصدقائنا ومعارفنا، وليس أمراً سيئاً أن نتذكر ذلك يوم العيد... ولكي لا أنحرف وأغير رأيي وأقول أن العيد رائع! فسأقول بأن (العذر) الذي يقدمه لنا العيد لنُظهِر حبنا ومعزتنا لأهلنا وأصدقائنا هو عذرٌ ممتاز، ويا ليته كان يتكرر أكثر، ويا ليتنا نتذكر ونعبر دون أن نحتاج لأعذار. ولكني مع ذلك أُصر على أنني أرغب في فعل ذلك بشكل عادي جداً، دون ارتداء ملابس جديدة، ودون الجلوس في الصالون، ودون الحاجة لشرب مائة فنجان قهوة وثلاثمائة كوب عصير، وفوق كل شيء دون الحاجة للمعايدة على مليون مواطن آخر لا أتمنى فقط أن لا أقابلهم، بل أتمنى لو لم أقابلهم أصلاً!

على أي حال، الخلاصة لكل ما سبق هي أن العيد أصبح احتفالاً أجوفاً، الكثير من المشاعر المبهرجة التي لا يمكن أن تستمر دون أن يسخر الناس من كسل أصحابها (تماماً كعناقيد الأضواء الملونة!) ومع ذلك فمن الجميل أن نتذكر الآخرين في العيد (بعضهم وليس كلهم... هذه ملاحظة مهمة جداً جداً جداً... أحس أنني أُصبت بعسر هضم بسببها!). وبالتالي أظن أن العبرة الحقيقية هي أن الشيء الوحيد المهم ليس شهر رمضان وليس العيد، ليست الأرقام والتواريخ التي نتابعها بلهفة على أمساكية شهر رمضان، ولكن الشيء المهم فعلاً هو الناس، نحن، ومن يهمنا أمرهم، تغيرنا في مسيرة الحياة، ومحبتنا ومودتنا لبعضنا البعض. هذا كل ما هنالك...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق