السبت، 5 يناير 2013

نصائح للشيخ الصادق الغرياني.


بالطبع لستُ أهلاً لتوجيه النصائح للشيخ الصادق الغرياني. ولكنني لا أكتب هنا وكأنني عالمٌ أو فقيه، أو حتى كاتبٌ يتطفل بين الحين والآخر على علماء الدين، ولكنني أكتب هنا بصفتي مواطن ليبي عادي، يُشاهد التلفاز بملل، ويتجادل بصوتٍ أعلى مما يجب مع معارفه (وأحب الاعتذار لهم الآن!)، ويزعم كبده من الشائعات التي تنتشر على الإنترنت وبالأخص الفيسبوك. فهذه إذاً ليست نصائحاً علمية أو فقهية، هي مجرد ملاحظات من أحد المشاهدين الذين ملوا من الحيرة بين المدح والتقديس وبين النقد والتجريح، وملوا أيضاً من الشائعات والتدليس والنفي والتصحيح... هذا كل ما هنالك.

1

النصيحة الأولى هي أن يترك فضيلة الشيخ استخدام بعض الكلمات الخطيرة مثل: فتنة، لا يجوز، حرام... وغيرها من مصطلحات حماسية تُلهب أفئدة الشعب، وفي الأغلب تُلهبها ضده!

المشكلة هنا ليست في المصطلحات في حد ذاتها، ولكن المشكلة في نقطتين: النقطة الأولى هي أن الصادق الغرياني عالم وهذه المصطلحات بالنسبة له لديها معانٍ أوسع مما نعرفه نحن عوام الشعب؛ فنحن تعاملنا مع هذه المصطلحات تعاملٌ مُقدسٌ جداً: إما أن نتمسك بها وكأنها الوحي، أو ننبذها وكأنها هرطقة! ولكن الشيخ الصادق يعلم أن هنالك اختلافات في الأخذ بالأدلة، وهنالك مقاصد وغايات وأسس تشريعية، وأن هنالك تشعبات أصولية وفقهية، وكل هذا التعقيد يزداد تعقيداً حين ندرك بأن لكل ظرفٍ أحكامه، وأن أي جزئية بسيطة قد تغير الحكم... بينما نعرف نحن أن هذه كلماتٌ خطيرة وحسب! النقطة الثانية هي أننا بصراحة نَملُّ بسرعةٍ كبيرة من الخطب والمواعظ. فوراً تقول لنا عقولنا أننا سمعنا هذه الخطبة مائة مرة في صلاة الجمعة، وفي دروس رمضان، وفي المحطات الدينية، وفوراً تُغلَق قنوات الاستيعاب، مع بقاء قنوات الاستماع مفتوحة. وفي حالة الهيام هذه يمكن القول أننا تقنياً لا نسمع إلا كلمات: حرام! فتنة! لا يجوز! ولا نكترث لبقية الكلام... الشيخ قال كلمة لا يجوز؟! هذا يعني أن الموضوع الذي يتكلم فيه كــــلــــه لا يجوز! فإما نقول استغفر الله! أو نقول يا شيخ اتقِ الله!

2

النصيحة الثانية هي أن يجتنب فضيلة الشيخ الحديث دون أن تكون لديه معلومات كافية عن الموضوع.

الشيخ الصادق الغرياني رجلٌ عادي، من المستحيل أن يعرف كل شيء. بل ربما نستطيع القول بأنه من جيل لا تربطه علاقة قوية بوسائل الاتصال الحديثة، وبالتالي فهو يتلقى قدراً من المعلومات أقل مما يتلقاه شاب لديه حساب على الفيسبوك مثلاً. وهذه مشكلة في كلام الشيخ؛ فمثلاً: في قضية (جمعة بنغازي لن تموت) لا أظن أن الشيخ الصادق كان على دراية كاملة بما يحدث في بنغازي؛ فلو كان مثلاً يعلم بأن الوضع الأمني في بنغازي وصل مرحلةً حرجةً جداً من الانفجارات والاشتباكات والاغتيالات، لما تحدث عن الحفاظ على الاستقرار والأمن وكأن بنغازي فيها استقرار وأمن أصلاً! ولو كان يعلم أن هنالك حراك مدني سلمي وفي غاية الرُقي (كمشاريع جمعية بنغازي الخير، وجمعية لأجلك بنغازي أبادر، وغيرها...) لما أظنه كان سيُشكك في نية منُظمي المظاهرة. ولو كان على دراية أكثر بمطالب المظاهرة، كالشرطة والجيش والقضاء والعزل السياسي وكل ما بُحت حناجر الشعب بالمطالبة به، لما بنى الشيخ كلامه فقط على مطلب حل مجلس بنغازي المحلي.

هذا الأمر قد يشكل تحدياً كبيراً للشيخ الصادق الغرياني. ولكن باستطاعته أن يحاول الحصول على أكبر قدر ممكن من المعلومات؛ لكي يستطيع الحديث عن الصورة بأوسع نطاق، دون فقط التعلق بجزئيات، قد تكون سلبية، ولكنها على أي حال ليست كل الصورة. لكل ظرف أحكامه، ونقص المعلومات سيؤدي إلى إصدار أحكام خاطئة، وبالتالي لن يكون هنالك مفر من مهاجمة الرجل، حتى لو كان ذلك على أساس خاطئ أصلاً.

3

النصيحة الثالثة هي أن يُغير الشيخ أسلوب حديثه – أسلوب الخوف من الانفلات والترهيب من عواقب الفوضى.

من يستمع لخطب الشيخ الصادق أو يقرأ كتاباته، يُدرك بأن الرجل لديه قدرة على المجادلة بعقلانية وعلى طرح الأفكار بشكل منطقي. ولكن بعض تصريحاته الأخيرة تفاجئنا بأسلوب مقتضب ومتسرع بشكل غير منطقي. والتفسير الأرجح في رأيِّ هو الخوف. لا أقصد هنا الخوف من (سلطة عليا)! ولكن الخوف على البلاد، الذي أظن أنه يدفع الشيخ الصادق ليتكلم وكأنه يريد إنقاذ البلاد في الوقت بدل الضائع؛ فيُحذِّر، ويَتخوَّف، ويدعو إلى الحفاظ على الاستقرار ودرء المفاسد ونبذ الفتن... وهذا بكل صراحة يُنفِّر الناس من كلامه؛ فبالرغم من أن الكثير من الناس أصلاً تخوفوا من تكرار سوء استغلال جمعة إنقاذ بنغازي، إلا أن صدور مثل هذا الكلام من شخص في مكانة الشيخ الصادق يزيد من خوف الناس، مما يجعلهم يشكون في نيته وينفرون من كلامه.

من وجهة نظري أظن أن الشيخ سيُوفق بشكل أكبر إذا اتخذ أسلوباً جديداً في الحديث: أسلوب الترغيب في التحضر والعقلانية، بدلاً من أسلوب الترهيب من التخلف والفوضى. فبدلاً من أن يُحذر الشيخ الصادق من سوء استغلال المظاهرات، أو وقوع أعمال عنف، أو زعزعة الاستقرار ووقوع الفتن، بدلاً من هذا الرعب! الأفضل مثلاً أن يحاول أن يشدد على أهمية التظاهر بشكل سلمي، وينصح بعدم إحضار السلاح أو استخدام العنف المادي أو حتى المعنوي في مواجهة الخصوم، وأن يدعو مثلاً لتحديد مطالب واضحة وربما إصدار بيانات موحدة، أو ربما يدعو لإقامة مكاتب لمتابعة مطالب المظاهرات، أو إنشاء جهات للقيام باستفتاءات وإحصائيات... وغير ذلك الكثير من أمور تساهم في تنظيم وتنسيق الحراك المدني بشكل سلمي وحضاري. هذا الأسلوب سيُقابَل بصدورٍ رحبة، وسيؤخذ بالفعل على أنه نصيحة جادة تهدف لحماية مصالح الشعب والوطن، ولن يكون كلاماً غريباً ومُستعجِلاً فيُشكك البعض في أهدافه، ولن يكون مخيفاً ومقلقاً فيستغله البعض كسلاح مُقدس.

4

النصيحة الرابعة هي نصيحة معقدة بعض الشيء... هي تدخل في سياق نظريات المؤامرات، ولكنني بصراحة لم أستطع تجاهلها.

بعض الناس ينتقدون الشيخ الصادق الغرياني لأنهم – كما يبدو – لم يسمعوه يتحدث إلا مرتين! مرة قبل جمعة إنقاذ بنغازي، ومرة قبل جمعة بنغازي لن تموت، وفي المرتين قال كلاماً لم يعجبهم. يقولون غاضبين لماذا لم يتحدث الشيخ عن هذا الأمر أم ذاك. والحقيقة أن الشيخ الغرياني يتحدث عن الكثير من الأشياء ويؤيد توجهات الشعب في كثيرٍ من الأحيان، كتأييده لاعتصامات ميدان الشجرة، وكموقفه ضد هدم الأضرحة، وتصريحاته ضد اغتيالات رجال الأمن والجيش. فليس صحيحاً أن الرجل لا يتحدث، بل الرجل يتحدث كثيراً. ولكن المشكلة الأولى هي انعدام تأثير كلامه (تحدث ضد هدم الأضرحة، وضد الاغتيالات، وضد الخروج في جمعة بنغازي لن تموت، ولم يستمع له أحد!!!) والمشكلة الثانية هي أنه حتى لو كان يتحدث، فهنالك اختلاف في مستوى التغطية الإعلامية، فكلامه المقبول لم يسمعه أحد! ولكن كلامه المثير للجدل يحفظه الجميع! وهذا يقودنا للنصيحة الرابعة: أن يكون الشيخ الصادق أكثر حذراً إعلامياً.

الشيخ الصادق تحدث منذ فترة عن وجود من يحاربون ظهوره إعلامياً ويعرقلونه. وبالرغم من ذلك فنحن نجده يظهر فجأةً في أوقات محددة ليُثير الكثير من الجدل!!! ألم ينتبه الشيخ الصادق إلى إمكانية – بل إلى حتمية – وجود استغلال لظهوره الإعلامي؟! وهذه (النظرية) مرتبطة أيضاً بمشكلة (نقص المعلومات) التي يعاني منها أحياناً الشيخ الصادق، فعدا عن انعدام تواصله الوثيق مع الشارع، الأمر الذي يؤدي إلى عدم تناوله لبعض الأمور المهمة، فإنه يبدو أن البعض يُحمسونه بأنصاف حقائق ثم يعطونه فرصةً للظهور إعلامياً حسب مصالحهم. وهذا ما يجب أن يحذر منه الشيخ الصادق ألف مرة. عليه أن يحاول الحصول على موطأ قدم إعلامي ثابت، إما بالحصول على برنامج له مواعيد ثابتة يناقش فيه الأمور بحرية، ويستقبل المكالمات والمراسلات (لغايات وصول المزيد من المعلومات إليه)، أو يحاول توثيق صلته بوسائل الاتصال الحديثة كإنشاء صفحة خاصة له على الفيسبوك أو تويتر، أو بالتواصل المستمر مع بعض المواقع المشهورة (موقعه الشخصي للأسف لا يتم تحديثه بسرعة مناسبة للظروف الراهنة، إن تم تحديثه أصلاً...) أو حتى الصحف والجرائد. وجود تواصل ثابت ومستمر بين الشيخ الصادق والناس سيُساهم أولاً في إبقاء الشيخ الصادق مواكباً لآخر المستجدات والأحداث التي تشغل الناس، كما سيضمن تواصله المستمر إيضاح مواقفه فلا تصيبنا الحيرة في تفسير تصريحاته المفاجأة والنادرة وطلاته الإعلامية المثيرة للريبة في بعض الأحيان، فلن يضطر الرجل إلى نفي وتصحيح وتوضيح كل تصريح يفهم عنه بالخطأ أو ينسب إليه كذباً حين يكون مداوماً على بيان رأيه الشخصي.

5

النصيحة الخامسة (والأخيرة إن شاء الله! أعرف أنني أطلت أكثر مما يجب!) هي أن يكون الشيخ الصادق أكثر وضوحاً عند التعبير عن رأيه الشخصي.

هذه النصيحة هي خليط من نصيحة عدم استخدام كلمات خطيرة، ونصيحة الحصول على معلومات أكثر، ونصيحة تغيير أسلوب الحديث من الترهيب إلى الترغيب. فما أقصده ليس أن يشرح الشيخ رأيه الشخصي، ولكن أن يُوضح أن هذا (رأي شخصي). منصب الشيخ الصادق كمفتي الديار (أو رئيس دار الإفتاء) هو سبب أن الناس يدعونه لترك السياسة والاهتمام بمواعيد الصيام والإفطار والأعياد! فإن قلنا بأن الرجل كغيره من الشعب الليبي (شعب المليون محلل سياسي!) له الحق في أن يعبر عن وجهة نظره في الأمور السياسية أو الاجتماعية، إلا أنه في النهاية في منصب، لن نقول خطير، ولكن نقول أن تجاهل قوته هو الخطير. الصادق الغرياني أولاً عالم دين وثانياً مفتي الديار؛ ولذلك الكلام الذي يقوله دائماً ما يستقبله الناس على أنه (فتوى). وإن كنتُ شخصياً أشك في أن لكلام الشيخ أي أثر يذكر، إلا أنه يجب على الشيخ الصادق أن يكون واضحاً حين يتكلم، لكي نعرف تماماً متى يكون كلامه (رأياً شخصياً) ومتى يكون (فتوى). يجب أن يوضح لنا أنه يتحدث بصفة شخصية، وليس بصفة رسمية – أنه يمارس حقه في التعبير، لا وظيفته في الإفتاء. حين تتضح هذه الأمور ربما حينها – ربما! – سيسمح له الناس بأن يمارس حريته في التعبير عن رأيه ويتحدث عن السياسة دون خشية من تأثير منصبه (الذي مازلتُ أقول بأنه معدوم!).


لقد نال الشيخ الصادق الغرياني نصيبه – وأكثر – من النقد والمعارضة، والشتم والسب والاستهزاء أيضاً. وبالرغم من أنه لا يوجد أي شخص فوق النقد في هذه الأيام، وبالرغم أيضاً من أنني لا أتفق مع الشيخ الصادق في بعض الأمور، إلا أنني أُحس بأن الرجل يُظلم بالنقد أكثر مما يُنصف أو يُصوَّب. وبالرغم من أن بعض الحملات التي تُشن على الشيخ الصادق يبدو أنها تُشن (لله في لله)، وبالرغم من أن الكثير من معارضيه ينتقدونه بجهل أكثر مما ينتقدونه بعقلانية، بالرغم من كل ما يمكن أن يُقال عن الهجمات ضد الشيخ الصادق، إلا أنه يمكننا بكل صراحة بأن نقول أن للرجل أخطاء (وليس خطايا... على الأقل لا أظن ذلك...) فإذا أصلح هذه الأخطاء حينها فقط سيكون بإمكاننا تجاوز الحيرة التي نقع فيها وسط فوضى التقديس والتجريح، وحينها سيمكننا أن ندافع عنه بثقة وفي نفس الوقت أن ننتقده بثقة.

تاريخ النشر: 5 يناير 2013

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق