الأربعاء، 16 يناير 2013

محاولة لفهم قرار القوة الأمنية للمؤتمر...


ويبدأ المؤتمر الوطني سنة 2013 بالقرار رقم (1)، هذا القرار الحازم ضد كل الفوضى، القرار الصارم ضد الانفلات الأمني، القرار الذي يؤيد مؤسسات الدولة ويؤكد على صلاحيات وزارتي الدفاع والداخلية، القرار الذي يدعم المشروعية، القرار الذي...

أعتذر، ولكن هنالك خطأ، هذا قرار بتشكيل قوة أمنية جديدة لا تتبع لوزارة الدفاع أو وزارة الداخلية...

سامحوني، إنه التباس مفهوم؛ فهذا قرارٌ صادرٌ من السلطة التشريعية العُليا في البلاد، ومن الطبيعي أن نتوقع أنه سيُروج للشرعية ويدعم مؤسسات الدولة... ولكن يبدو أنه فقط (يُسلح) مؤسسات الدولة. ولكن – والتفاؤل مُستحب مع العجز! – قد تكون هذه خطوة جيدة في طريق حماية وتأمين المؤسسات والمصالح الحكومية؛ فربما نشهد عما قريب تشكيل الجيش الفدائي لقطاع النفط، أو ربما قوات تدخل سريع تابعة لمصلحة الكهرباء، ومع الأحداث الأخيرة في المنطقة الشرقية، فبالتأكيد الأولوية ستكون لتشكيل كتائب مقاتلة لشركات الاتصالات الليبية!

وفي النهاية هذا مجرد قرار آخر يصدر في وقته تماماً! متوافقاً مع هموم الشعب ومطالبه! ويصدر ضمن كل معايير النزاهة والشفافية والديمقراطية! وإن لم نستطع فهمه فهذا لأننا شعب جاهل ديمقراطياً، وغير مثقف سياسياً، ومبخوت له حقوقياً.

على أي حال، دعونا نحاول فهم هذا القرار. وبما أن الأمور أصلاً (مقلوبة)، دعونا نقرأ القرار بالمقلوب، فنبدأ من المادة رقم 3، ثم المادة رقم 2، ثم نتوقف عند المادة رقم 1. وأرجو فقط أن نستطيع إيجاد عدد من الإجابات، بقدر ما سنجده من الأسئلة.

المادة رقم 3:

بداية المادة ونهايتها مجرد كلام إجرائي: القوة تتبع إدارياً ومالياً لديوان المؤتمر، وتمارس اختصاصها وفق التعليمات... هذا ليس مهماً، على الأقل ليس مهماً بقدر (وسط) المادة... الوسط الذي يقول أن هذه القوة الأمنية الخاصة: (تكون تحت قيادة رئيس المؤتمر الوطني العام وتتلقى أوامرها مباشرةً منه...)

بصراحة لا أريد الالتفات إلى ما يُقال عن تغول الجبهة الوطنية، أو مؤامرات انقلابها على المؤتمر، أو أن السيد محمد المقريف يريد أن يصبح ديكتاتوراً جديداً، أو أي شيء آخر من هذا القبيل... هذا الكلام نتركه الآن في سبيل التفرغ للحيرة والارتباك – سنترك التأويل والتخمين في مقابل اعتناق الأسئلة...

وأول هذه الأسئلة هو هل لدى السيد محمد المقريف القدرة على قيادة قوة أمنية؟! خبرة عسكرية؟!! خبرة أمنية؟!!! ولكن، في النهاية لا فرق بينه وبين كل من تقدم للجبهات أثناء الثورة وأصبح قائداً مغواراً؛ فلا ضرر في أن يكون السيد المقريف القائد الميداني للمؤتمر الوطني العام! ومع ذلك، فهنالك سؤال آخر... هل يستطيع السيد المقريف التفرغ لإصدار أوامر مباشرة حول كل تخصصات القوة الأمنية؟! هل من الممكن أن تتلقى القوة الأمنية كل أوامرها من السيد المقريف (مباشرةً) بخصوص كل كبيرة وصغيرة في تأمين المقرات المختلفة، والأعضاء المائتين، والعاملين الذي لا نعرف كم عددهم؟! بلا شك قد يتم تفويض أشخاص آخرين للاهتمام بهذه الأمور، فهل سيكون (الضباط) من أعضاء المؤتمر الوطني أيضاً نظراً لأن القوة لم تُحدد علاقتها بأي جهة عسكرية أو أمنية؟!!!

وهنا سؤالٌ آخر يطرح نفسه، بما أن القوة الأمنية تتلقى أوامرها مباشرةً من السيد محمد المقريف، وتتبع إدارياً ومالياً إلى المؤتمر الوطني، فكيف سيتم تنظيم هذه القوة؟! هل سيكون هنالك (تعاون) مشترك بين المؤتمر الوطني ووزارة الدفاع وكأن قوة المؤتمر تشكيل مُسلح مستقل؟! أظن أن هذا ما سيحدث، تعاون وتنسيق وكأن قوة المؤتمر هي مجرد كتيبة أخرى! وذلك نظراً لأن القرار أشار في ديباجته إلى القوانين الخاصة بالخدمة والمرتبات العسكرية... وبما أن القوة تتبع مالياً لديوان المؤتمر، فهل يعني هذا أن المزيد من الملايين – التزويد بكافة الإمكانيات، والأسلحة، والاتصالات، والتدريب، والمرتبات – المزيد من الملايين ستُضاف إلى مصروفات المؤتمر الوطني الذي يغضب الشعب أصلاً على كل قرش يصرفه؟!!!


المادة رقم 2:

تنص على أن: (تُزود القوة الأمنية المُشار إليها في المادة السابقة بكافة الإمكانيات [دبابات؟!] التي تضمن منع الاقتحامات [كلام جميل...] وتفريق التجمعات [حتى المظاهرات السلمية؟!!!] وفك الاشتباكات [أفظن لروحك يا سليمان زوبي!] وتأمين الحماية الكافية للمؤتمر وأعضائه والعاملين به لأداء المهام المنوطة بهم.)

وطبعاً المهام المنوطة بهم تعني السعي نحو تشكيل قوة أمنية لحماية أنفسهم لكي يؤدوا واجباتهم في تأمين المؤتمر في سبيل القيام بوظائفهم بإصدار قرارات تضمن حمايتهم أثناء تنفيذ مسؤولياتهم بتشكيل قوة أمنية توفر لهم بيئة آمنة يستطيعون فيها مناقشة المقترحات وتداول القرارات حول تأمين أنفسهم لحماية مصالحهم ومناصبهم تحقيقاً لمصلحة الوطن!

والمواطن؟ المواطن من الأفضل له أن يترك الاقتحامات والاشتباكات وكل هذا التخلف والعنف، وأن يترك أيضاً أي تجمعات متحضرة أو سليمة مهما كانت: مظاهرات، اعتصامات، أو حتى ازدحام أمام كوشة الخبزة! فهذه القوة الأمنية الخاصة من صلاحيتها (تفريق التجمعات) بدون توضيح لخطورة هذه التجمعات على المؤتمر – صلاحية مطلقة ومفتوحة للتفسير. وربما يجب على أعضاء المؤتمر الوطني أنفسهم أن ينتبهوا لكي لا (يتجمعوا) بالخطأ عند الباب أثناء الدخول أو الخروج، فتقوم القوة الأمنية بتفريقهم! (طبعاً هذه مجرد نكتة بخصوص (عمومية) النص، لأن مهمة القوة الأمنية أيضاً حماية أعضاء المؤتمر...)

ومع هذه المادة المطلوقة بعلي، لا يبقى لنا سوى المادة رقم 1 لمحاولة فهم هذا القرار، أو لزيادة حيرتنا...

المادة رقم 1:

تنص على أن: (تُشكل قوة أمنية خاصة تتولى تأمين وحماية مقرات المؤتمر الوطني العام وأعضائه بمعرفة اللجنة المشكلة بموجب قرار المؤتمر الوطني العام رقم (8) لسنة 2012م المشار إليه.)

لا توجد تفسيرات كثيرة في هذه المادة، ربما فقط سؤالان. أولهما: ألم يكن يكفي النص في هذه المادة على حماية وتأمين مقرات المؤتمر وأعضائه، دون الحاجة لترك (ثغرة) تفسيرية كبيرة في المادة الثانية باستخدام مصطلح (تجمعات) دون توضيح؟ وهذا سؤال يُوجه إلى أهل القانون والدراية. أما السؤال الثاني الذي نطرحه على أنفسنا عند قراءة القرار فهو: ما هو قرار المؤتمر الوطني العام رقم (8) لسنة 2012؟!

والجواب على هذا السؤال سهل... القرار رقم (8) هو قرار بتشكيل لجنة تقوم بدراسة موضوع تكوين قوة أمنية خاصة. وذلك القرار صدر بتاريخ 16-10-2012، على أن تنفذ اللجنة مهمتها خلال ثلاثة أشهر. والحقيقة أن المهمة تنفذت فعلاً خلال ثلاثة أشهر! وبالتحديد يوم 10-1-2013. وهذه سابقة جميلة، أليس كذلك؟! المؤتمر الوطني ينفذ عملاً قبل انتهاء موعده! وبدون تمديد أو تأجيل! ولكن بالطبع سنُصاب بخيبة أمل حين ندرك أن القرار الذي تنفذ في موعده كان قراراً يخص تأمين المؤتمر وأعضائه، وستتعاظم خيبة الأمل حين نُدرك أن القرار يبدو أنه صدر دون أي دراسة... ومن يفكر لوهلة بأن النص الذي يقول (بمعرفة اللجنة...) قد يعني أن الإشراف على القوة الأمنية ستتولاه لجنة، وليس السيد محمد المقريف وحده، من يفكر متفائلاً في ذلك نقول له شيئين: أولاً، اللجنة هي التي أصدرت هذا القرار أصلاً ونصت على أن القيادة والأوامر المباشرة هي للسيد المقريف، وثانياً، تلك اللجنة هي برئاسة السيد المقريف. ويا دار ما دخلك شر.

للأسف، لم تعد هنالك مواد في القرار نستطيع تتبعها لمحاولة فهم القرار...

ولا أعلم هل سنجد إجابات على أسئلة مثل: فيما كان أعضاء المؤتمر الوطني يفكرون وهم يُصدرون قراراً بتكوين قوة مسلحة جديدة لا تنطوي تحت وزارة الدفاع أو الداخلية؟! ألم يمكن إصدار قرار يطلب من وزير الدفاع أو الداخلية تشكيل قوة أمنية خاصة لتأمين المؤتمر؟! إنشاء قسم حرس رئاسي؟! تشكيل كتيبة عسكرية خاصة؟! ألم يفكروا في أن هذه سابقة مفزعة قد تؤدي إلى أن يصبح لكل من هب ودب كتيبة؟! ألم يخطر ببال أحدهم أننا نعاني من تجاهل شرعية الدولة ونطالب باحترامها لا زيادة تجاهلها؟! وما الذي دفع المؤتمر إلى اتخاذ قرار بأن تكون القوة الأمنية تحت (قيادة) رئيس المؤتمر وتتلقى أوامرها (مباشرةً) منه؟! ألم يفكروا في تداعيات هذا الأمر؟! هل الرئيس متفرغ لهذه الدرجة؟! هل هو مؤهل لتحمل هذه المسؤولية؟! ولماذا صدر قرارٌ مهمٌ هكذا مُختصراً بشكل معيب؟! هل أصدر المؤتمر الوطني قراراً جديداً دون دراسة ودون تفكير؟!!!

في الحقيقة لا أجد في الختام أي شيء أقوله سوى أن أطلب نشر قوائم التصويت على هذا القرار – مَن مِن الأعضاء وافق عليه، ومَن منهم لم يوافق. القرارات التي تُثير مئات الأسئلة أصبحت تصدر عن المؤتمر دون حسيبٍ أو رقيب، والديمقراطية – حتى لو كانت تمثيلية كما هو حال المؤتمر – لا تعني بأي حال من الأحوال مفاجأة الشعب وتركه يغرق في الحيرة بحجة أن هؤلاء ممثلين (مُنتخَبين). أقل شيء يمكن فعله هو أن يعترف الأعضاء بمواقفهم (كما هو الحال في الدول المتحضرة التي تُنشر فيها مواقف أعضاء المجالس والبرلمانات) فحين يعترف الأعضاء بمواقفهم على العلن، حينها نعرف لمن نوجه أسئلتنا، ونعرف ممن ننتظر التوضيح، ونعرف لمن نُوجه اللوم إن كان هنالك لوم. أما أن يلقوا بنا مكتوفين في بحار من الأسئلة ويتوقعوا ألا نغرق في الحيرة، فهذا مما لا يمكن قبوله.

ليبيا المستقبل: 15 يناير 2013

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق