الثلاثاء، 6 مايو 2014

الطريق إلى القدس... رحمة والدين؟!


انتشرت أنباء المصالحة الفلسطينية، أو لنقل (وعود الساسة) حول المصالحة الفلسطينية... ويبدو أن البعض يتعامل مع هذه الأخبار وكأنها نصر عربي ساحق آخر نُضيفه إلى تاريخنا العريق المُتخم بالانتصارات الوهمية... ولكن الواقع يطرح أسئلةً تحمل هذا الخبر أبعد ما يكون عن منصة النصر، وتضعه (كطفلٍ مُشوَّهٍ منبوذ) على عتبة ملجأ أيتام... ولا أعلم بالتحديد ما هو ملجأ الأيتام هذا، ولكن أغلب الظن أنه ملجأ (الأم الحنون: الإعلام العربي)، وكما هي قصة ملاجئ أيتامنا الحزينة، فإن ملجأ الإعلام أيضاً تنشأ فيها الأوهام المنبوذة لتصبح خيبات أمل مجرمة تعيث في تاريخنا فساداً!

1

هذه المصالحة جاءت بعد انقسامٍ دام سبع سنوات تقريباً (من 2007 إلى 2014). الناس يتصالحون وينسون الماضي، ولو كان هذا الماضي هو سنواتٌ من التخوين والقتل والاتهام والطعن في الظهر (وفي الوجه أيضاً)... عادي، يمكننا أن ننسى ونسامح... ولكن، أن يُقال بأن المصالحة جاءت بناءٍ على (اتفاقية القاهرة) ولاحقتها (اتفاقية الدوحة)، فهذا ما يضعنا أمام ألزهايمر أو إصابة بالخرف، وليس نسيان إرادي ومسامحة!!! فهذه الاتفاقيات هي من أبرز مظاهر الانقسام بين حركتي فتح وحماس! ولا أعني الاتفاقياتين في حد ذاتهما، ولكن أعني تفسيرهما (المختلف حسب وجهة النظر الفتحاوية والحماسية)، والتناقضات الواردة في الاتفاقيات، ونقص الاتفاقيات من حيث توضيح مهام واختصاصات الحكومة التوافقية المؤقتة التي ستُمهِّد للانتخابات الرئاسية والتشريعية، وأيضاً عدم وجود ضوابط زمنية (وفلسطين لطالما عانت من انفلات المفاوضات والمصالحات التي لم تُقيَّد بفترة زمنية... ناهيك عن أن غالبية تلك المُقيَّدة بفترات زمنية قد أخفقت!)، وقد أشار الكثير من المحليين والمراقبين إلى كل هذه المشاكل لم تتم الإشارة إلى حلولها في (إعلان غزة) الذي تم فيها إعلان المصالحة وفق الاتفاقيات المذكورة، وتجاهُل (إعلان غزة) لكل هذه التفاصيل يفرض علينا أن نتساءل عن مدى جدية وواقعية هذه المصالحة.

هل هنالك تنازلات مستقبلية تم الاتفاق عليها؟ أم ربما وضع كل طرف شروطاً وافق عليها الطرف الآخر؟ أم ربما هنالك اتفاق على إذعان طرف لطرف آخر؟ أم لعلها فقط مناورة سياسية من الطرفين؟ أم ربما الإعلان كان فقط مختصراً ولم يتطرق لكل التفاصيل الاتفاقية والتفسيرية المبنية على اتفاقيتي القاهرة والدوحة؟ تساؤلاتٌ كثيرة، ولكن الأمر لا يتوقف عند تشكيك المراقبين في حقيقة هذه المصالحة ومدى جديتها؛ فالعلاقات الفلسطينية شيء، والعلاقات الفلسطينية الإسرائيلية شيءٌ آخرٌ تماماً!


2

محمود عباس – كما هو حاله دائماً – كان يداهن إسرائيل، ويتملق للغرب، وقد انتشرت تصريحاته الأخيرة في ذكرى المحرقة اليهودية حيث قال في لقاءٍ مع حاخامٍ أمريكي بأن المحرقة اليهودية أبشع جريمةٍ عرفتها البشرية في العصر الحديث (متناسياً الجريمة المرُتكَبة في حق فلسطين... بدأتُ أميل لأن الجميع أصابهم الألزهايمر!). وأنا هنا لا أنكر بشاعة الجريمة المرتكبة في حق اليهود إبان الحرب العالمية الثانية، مع اختلاف وجهات النظر حول حجمها الحقيقي، وحول بعض تفاصيلها، ولكنها تبقى جريمةً بشعة، ولكن محمود عباس هنا لا يتحدث من دافعٍ إنساني! ولكنه يُساير السياسة الإسرائيلية (والغربية) في استغلال (المحرقة اليهودية) سياسياً، وتسخيرها إعلامياً للتعبير عن موقفه المداهن لإسرائيل والغرب. وكما ذكرت، فإن هذا الموقف ليس غريباً على محمود عباس، السياسي الأليف! ولكن الغرابة تتمثل في مفاجأة محمود عباس للعالم بالتصالح مع حماس!!! وفوراً أعلنت إسرائيل تعليق مفاوضات السلام مع الفلسطينيين (مع أن الواقع يقول بأن إسرائيل لم تكن يوماً جادة فيها)، وهددت بفرض عقوبات على الفلسطينيين (نكتة سخيفة! وكأنهم لا يعاقبونهم منذ أكثر من 60 سنة!)، وكل ذلك لأن الإسرائيليين بالطبع يرفضون أي شيء له علاقة بحماس، وحتى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ذكر بأن تصريحات محمود عباس عن المحرقة اليهودية لا تعني شيئاً وهو يتصالح ويتحالف مع حماس (وهو دليل آخر على الاستغلال السياسي القبيح للمحرقة اليهودية)، ودعا بنيامين نتنياهو محمود عباس للتخلي عن حماس وللسعي نحو السلام مع إسرائيل!!! وبالطبع السلام مع إسرائيل، من وجهة النظر الإسرائيلية المتطرفة التي يُمثلها نتنياهو، تعني الرضوخ التام لإسرائيل وقبول حكم الإعدام! وهو ما يسعى له الإسرائيليون اليوم؛ فبعد سنين من المطالبة بالاعتراف (بوجود إسرائيل)، ها هم اليوم يطالبون بالاعتراف بإسرائيل على أنها (دولة يهودية)، وكما أشار بعض المحللون فهذا الاعتراف بيهودية إسرائيل يعني إنكار حق الفلسطينيين والمسلمين والمسيحيين في فلسطين، وتمكين الإسرائيليين من الاستيلاء على المزيد من الأراضي، وطرد المزيد من الفلسطينيين، وبناء المزيد من المستوطنات، واستجلاب المزيد من المستوطنين، فحين تكون لدينا (دولة يهودية) فهذا يعني أن أي شخص غير يهودي ليس له أي حق فيها، ولا يمكن أن يكون مواطناً فيها، أو على الأقل مواطناً متساوياً، مما يعني أن حتى عرب الـ48 المقيمين داخل إسرائيل (ممن رفضوا الرحيل) قد يتم ترحيلهم! فالاعتراف بإسرائيل دولةً يهودية هو بالفعل قبول لحكم إعدام...

هذه التطورات في المواقف الإسرائيلية – والتي تنفي تماماً حل (الدولة الواحدة المثالية) الذي ينادي به البعض – يراها البعض على أنها مجرد حلقة جديدة في فرض إسرائيل لهيمنتها، فواقعياً فإسرائيل لم تتنازل عن شيء، ولم تساوم أبداً، وإنما فقط تُلهي الفلسطينيين بالمفاوضات، وتستمر في تنفيذ مخططاتها، متجاهلةً الجميع، حتى الولايات المتحدة والأمم المتحدة والمحكمة الدولية ومجلس الأمن! فإسرائيل تفعل ما تريد، وتفرض على الفلسطينيين (شروط النسيب الكاره) التي لا يمكن أن يقبل بها أحد، ليبدو أن المشكلة ليست في إسرائيل وشروطها المستحيلة، ولكن في الفلسطينيين وعنادهم! وأثناء ذلك تستمر إسرائيل في الانتقال من مرحلةٍ إلى أخرى، تماماً كما انتقلت من (الاعتراف بوجود إسرائيل) الأمر الذي أصبح واقعاً، إلى (الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية)، ولا غرابة في أن تصل في المستقبل إلى (الاعتراف بضرورة إبادة الفلسطينيين)! وفي الحقيقية فإن هذه التطورات في المواقف الإسرائيلية، واستمرار إسرائيل في مسيرتها، تكاد تقول بأن المستقبل لا يُبشِّرُ خيراً للفلسطينيين، فكما ذكرنا هذه التطورات تنفي حل الدولة الواحدة الذي يسعى له بعض الحالمون، والمجتمع الدولي يُحذِّر بوضوح من أن تصبح إسرائيل دولة فصل عنصري، وقد تأكدت هذه المخاوف بالتصريحات المُسربة لوزير الخارجية الأمريكي جون كيري، والذي ذكر بأن إسرائيل قد تصبح دولة فصل عنصري، وحين يقول وزير الخارجية الأمريكية، الغارق في المفاوضات إلى كوعيه، والذي يسعى بوضوح لتغليب مصالح إسرائيل، بأن الدولة قد تصبح دولة فصل عنصري فهو بلا شك يُدرك بأن غالبية المؤشرات تُلمِّح إلى أن إسرائيل لن ترضى بحل الدولتين وأنها تسعى للاستيلاء على فلسطين كلها. وإلا، وإذا كان حل الدولتين حلاً واقعياً وممكناً، فلماذا يَتخوَّف وزير الخارجية الأمريكية من أن تصبح إسرائيل دولة فصل عنصري؟! هي أصلاً دولة فصل عنصري، ولكن التعتيم الإعلامي، وتجاهل فلسطيني الـ48، وتصوير الفلسطينيين دائماً على أنهم مجرمين، يُعمي العالم عن إدراك هذه الحقيقة، وبالتالي فحين يتحدث العالم عن دولة فصل عنصري، فأنا شخصياً لا أرى الأمر إلا على أن العالم يتحدث عن التهام الإسرائيليين لفلسطين كلها وتحولها إلى دولة إسرائيل العنصرية!

3

هذه التطورات المُخيفة دفعت بالبضع إلى تفسير موقف محمود عباس من المصالحة مع حماس على أنه ورقة ضغط جديدة. أي أن محمود عباس يُدرك بأن إسرائيل تريد أن تستولي على فلسطين كلها، ورغبةً منه في إرجاع الإسرائيليين إلى طاولة المفاوضات ليشحت منهم بقايا فلسطين، فقد قرر محمود عباس التصالح مع حماس ليقول لإسرائيل بأنه يستطيع اللجوء إلى حلول أخرى إذا رفضت هي التفاهم معه على الحلول، على حسب تحليل أحد المراقبين. هذا التفسير لا أستغربه، ويوافقه أيضاً حراك السلطات الفلسطينية المؤخر للانضمام للاتفاقيات الدولية التي يسمح لهم وضعهم كدولة مراقبة في الأمم المتحدة بالانضمام إليها. محمود عباس يريد تأمين الضفة الغربية على الأقل، ولا يريد أن تغنمها إسرائيل. وبكل صراحة فإن هذا موقفٌ جيد في مواجهة التغول الإسرائيلي، ولكنني لا أستطيع أن أثق في محمود عباس؛ فالرجل – بكل بساطة – رجل سياسي بالدرجة الأولى، ليس فلسطينياً أو وطنياً بالدرجة الأولى، بل سياسي بالدرجة الأولى، وكل انتماء آخر يأتي لاحقاً...

محمود عباس استغل الانقسام الفلسطيني بين فتح وحماس لكي يظهر نفسه للعالم على أنه الممثل الوحيد للقضية الفلسطينية، وتحالف مع الإسرائيليين ومع غيرهم في مواجهة حماس. وخاضت حركة فتح (كما فعلت حركة حماس أيضاً) معركةً شرسة لتشويه الطرف الآخر وسحب المصداقية منه على الصعيد المحلي. ومؤخراً كان محمود عباس يسعى لإطلاق سراح بعض الأسرى الفلسطينيين (المسجونين منذ بداية التسعينيات، عددهم أكثر من 100 تقريباً) وهي بالطبع مبادرة لا تؤثر إطلاقاً على المفاوضات، وكل ما قد ينتج عنها هو منح بعض الشعبية لمحمود عباس، وأيضاً إبرازه بمظهر الشخص الذي يستطيع فعلاً التفاوض مع إسرائيل والحصول على تنازلات منها، وإسرائيل لم تخجل أبداً من الاعتراف بمدى استفادتها من محمود عباس وحبها الكبير له ولمداهنته. رجل بمثل هذه القيم السياسية – التي تكشف بأنه يعمل لمصلحة شخصية وليس لمصلحة وطنية – لا يمكنني أن أثق به، وأُحس بالفعل بأن مصالحته مع حماس لا تهدف لخدمة المصلحة الوطنية الفلسطينية بتوحيد الصف وإنهاء الانقسام والسعي معاً نحو مصلحة الجميع، ولكن أُحس بأنه فقط يناور، ويريد أن يفرض على الإسرائيليين أن يعودوا إلى طاولة المفاوضات ببعض التنازلات، لكي يتمكن الرجل – حسب تصوري – من الاحتفاظ بالضفة الغربية وحسب (فهو لم تبدر منه أي مواقف لمواجهة العزلة التي تفرضها إسرائيل على غزة، وليس من المستبعد أن يتخلى عنها تماماً...). وقد كانت هنالك دعوات من بعض الجهات لجعل الضفة الغربية تحت الإدارة الإسرائيلية، وهو تطور لا يمكن استبعاده، من حيث سعي محمود عباس الأناني (كما أراه) للحفاظ على الضفة بما يعنيه له ذلك من سلطات ومصالح (وهو توجه لا أستبعد معه أن يرضى محمود عباس بالإدراة الإسرائيلية)، ومن حيث أن مثل هذا الإذعان للاحتلال تحت دعوى (الإدارة) قد يكون خطوةً أولى في مسيرة إسرائيل للاستيلاء على فلسطين كلها... وهذا المقترح من بعض الأطراف الفلسطينية، الذي يستبعده البعض بعصبية، لن يبدو غريباً جداً وهنالك مقترحات إسرائيلية موازية له، فقد قام سياسيون ومعهم عسكريون سابقون إسرائيليين بتقديم مقترح بوضع إدارة فلسطينية تستطيع التعاون والتعامل مع إسرائيل، واقترحوا أسماءً لهذه الإدراة، أحدهم رئيس حكومة سابق وصفوه بأنه رجل عملي، والآخر – وهو أمر مثير للضحك – هو البطل مروان البرغوثي! الذي يقبع في السجون الانفرادية الإسرائيلية منذ سنين، وقد ذكر أصحاب المقترح بأن مروان البرغوثي ليس (إرهابياً) وإنما هو (قيادي سياسي) وله قبول شعبي كبير، على عكس غيره من القادة المداهنين، وعلى عكس قيادات حماس الذين يعتبرونهم إرهابيين! بغض النظر عن أن هذا المقترح مثير للضحك، بالأخص من حيث ورود اسم مروان البرغوثي فيه (هيهات أن ينكسر هذا الرجل ويتعامل مع إسرائيل، ولو أراد ذلك لاستطاع فعله منذ سنينٍ وسنين، كما فعل ذلك كثيرون...) بغض النظر عن هذه التفاصيل، إلا أن مقترحاً بهذا الشكل، في وقت تشير فيه تصرفات إسرائيل إلى أنها تريد دولةً يهوديةً واحدة، وفي وقت وصل به الانحطاط ببعض الفلسطينيين إلى المطالبة بالإدارة الإسرائيلية، وفي وقت يسعى فيه البعض لمصالحهم الشخصية بأنانية، فإن هذا المقترح لا يمكن استبعاده...

4

ووسط كل هذه الحيرة التي تثيرها المراوغات السياسية الخبيثة (والأنانية) لمحمود عباس، ومع مطامع إسرائيل التي لا حد لها، فإن أكثر شيء يدفع المرء للتساؤل هو موقف حركة حماس! هل تتصور حماس بأن محمود عباس سوف يختار بالفعل المصلحة الوطنية والمقاومة؟! بل هل تتصور حماس بأن أي مفاوضات مع إسرائيل والغرب سوف تستمر وهم طرفٌ فيها؟!

يقول البعض بأن حماس لم تجد مفراً من هذه المصالحة؛ فبعد سقوط حكومة الرئيس السابق محمد مرسي في مصر وانقطاع دعم الإخوان لحماس (الذي لا أظن أنه يصل للدرجة المبالغ فيها كما يصورها الإعلام)، ومع الثورة السورية التي فرضت على حماس أيضاً الابتعاد عن النظام السوري، فإن حركة حماس أصبحت مرغمة على الخروج من عزلتها، ويجب عليها التعاون مع حركة فتح. ولكن ضرورة هذا التعاون لا تنفي الواقع، وسمعة حماس (على الأقل بالنسبة لإسرائيل والغرب) لا تسمح لها بدخول الساحة السياسية، فما الذي يحدث بالضبط؟! وماذا تظن حركة حماس أنها تستطيع تحقيقه؟! ربما استطاع محمود عباس إقناع حماس بأنه يعتنق خيار المقاومة! ولكنني أشك في ذلك. وربما هذه محاولة من حماس لتحسين صورتها، ولاقتحام ساحة السياسة، فهم بلا شك يدركون مدى فداحة العزلة المفروضة عليهم، ولعلهم يريدون إنقاذ غزة بالتعاون مع محمود عباس وبقلب صفحة جديدة مع إسرائيل. وربما تكون هذه خطوة أولى لاحتواء حركة فتح لحركة حماس وظهور كيان جديد تختفي منه تماماً ملامح حركة حماس، وهو أمر يمكنه أن يُخرج غزة من سجنها، ولكنني أشك في أنه قد ينقذ فلسطين...

5

خلاصة كل هذا الكلام، هو أنني لا أفهم أي شيء... لا أفهم موقف محمود عباس ومصالحته (الوطنية) مع حماس، ولا أفهم موقف حماس ودخولها ساحة (السياسة) والمفاوضات، ولا أفهم شيئاً... الشيء الواحد الواضح والمفهوم، والذي أقيس عليه كل شيء، هو موقف إسرائيل، وهذا هو السبب الذي يجعلني أتخوف من كل شيء ولا أثق في أي شيء؛ فساحة السياسة أثبتت على مدى العقود الماضية بأن فلسطين تدخلها خاسرة من البداية، وعدم ثقتي في محمود عباس ومعرفة أنه ليس رجلاً قوياً ومقاتلاً (إلا إذا كان ذلك في مواجهة الفلسطينيين!) يجعلني أشك في أن مصالحته مع حماس جاءت من باب التمسك بخيار القوة والمقاومة، ولكنها فقط جاءت من باب سحب حماس إلى ساحة السياسة (وبالتالي القضاء عليهم)، أو فقط استخدامهم كورقة ضغط يمكنه أن يرميها في أي وقت... وضعف حماس، ودخولها المصالحة (وبالتالي الساحة السياسية) بكل ثقة، دون اعتبار لصورتها في أعين إسرائيل والغرب، وهي صورة بلا شك تُدرك حركة حماس بأنها لن تسمح لها بتحقيق شيء إلا في حالة القيام بتنازلات مُذلة، ووضع أيديهم في أيدي محمود عباس، كل ذلك يجعلني أُحس بأن حركة حماس إما أن تكون عمياء، أو يائسة إلى أقصى الحدود، أو بأنها دخلت ساحة السياسة وتخلت عن كل مبادئ وقيم المقاومة الوطنية.

وتبقى فلسطين لغزاً... نحن نحك رؤوسنا بحيرة، والإسرائيليون يسعون جاهدين لمسح اللغز قبل أن نجد الحل...

6

وفي هذه الأثناء، تُنظم الأردن مؤتمراً بعنوان (الطريق إلى القدس)، وبعيداً عن كل الكلام الفارغ حول دعم النظام الأدرني لقضية فلسطين ومواجهة الاحتلال الإسرائيلي ومحاربة تهويد القدس، وغير ذلك من أفيون الشعوب العربية، فإن هذا المؤتمر يسعى لتأكيد الهوية الإسلامية والمسيحية والعربية في فلسطين، ويشارك فيه كتاب ومفكرون ورجال دين مسلمون ومسيحيون. وبمجرد أن قرأتُ هذا الخبر المُثير للشفقة، خطرت ببالي عبارة نستخدمها في ليبيا عند طلب توصيلة مجانية: (رحمة والدين!). فبصراحة لا أظن بأننا نستطيع الوصول إلى القدس بأي شكلٍ من الأشكال وهذا وضعنا... وبالتالي فإن أي حديث عن الوصول إلى فلسطين والطريق إلى القدس يجعلني أتخيل أنفسنا جميعاً نقف على حافة الطريق رافعين أيدينا في استجداء ونحن نطلب توصيلة (رحمة والدين)...

ومع هذه السخرية، يقول الواقع لكل من يحاول الوصول إلى القدس: إلى متى تتوقعون بأن القدس سوف تنتظركم؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق