السبت، 11 يناير 2014

أصواتنا ليست مهمة...


تحذير صحي: هذه المقالة تحتوي على نسبة عالية من التشاؤم.

صوتك أمانة... صوتك مستقبل بلادك... صوتك حريتك... صوتك وفاء لدماء الشهداء...
صوتك...
صوتك...
صوتك...

أرهقتنا حملات الدعاية الانتخابية التي تريد اختزال الثورة والحقوق والحريات الإنسانية كلها في التصويت – كلام سرمدي حول أهمية أصواتنا. ولكن.. كيف تكون أصواتنا مُهمة إذا لم تكن مسموعة؟

النقد في بلادنا، بعد عودة الحرية، أصبح أمراً يُمارسه الجميع: فلا فرق بين طالب وأستاذ، موظف ومدير، أمي ومتعلم، مسؤول ومواطن، لا فرق بين أحد إلا في طول اللسان وقوة الحنجرة – ومع ذلك لا يتغير شيء! لا توجد أية ردود أفعال، وكأن كل نقدنا مجرد صيحات نصرخ بها في صناديق عازلة للصوت ومُحكمة الإغلاق... أفهذا ما يريدون هذه الانتخابات أن ترمز له: أن يضع الشعب (أصواته) في صناديق مغلقة بعيداً عن آذان الحكومة؟!!!

قبل أن نتناقش بواقعية، اسمحوا لي بأن أتخلص أولاً من غصة التشاؤم المطلق...

أعضاء المجلس الانتقالي، والمكتب التنفيذي، والحكومة المؤقتة، وكل المسؤولين الذين زرعوا أنفسهم في الساحة السياسية (بالرغم من أن نصفهم، إن لم يكونوا كلهم، قد تعهدوا بالاستقالة واعتزال الساحة السياسية!) هل نتوقع أنهم سيرحلون بكل بساطة بعد كل ترف السلطة والنفوذ؟! علاقاتهم الدولية المشبوهة؟ العقود والاتفاقيات الدولية التي ورطوا شعبنا فيها؟ العقود والعطاءات والتكليفات التي وزعوها كأنهم يوزعون تركةً على ورثة؟! هل نتخيل أنهم سيتركون كـــل ذلك، ويرضوا بأن نشكر لهم سعيهم؟! من غير المعقول أن يحدث هذا!!! السلطة هي أسرع وأقوى إدمان في تاريخ البشرية، من قبل اكتشاف الكوكايين والهيروين والحشيش كانت السلطة دائماً تُذهب عقول القادة وتُسكرهم بالقوة. فليس عجيباً أن تتكون لدينا لوبيات سرية، وتيارات مخفية، وتمسي لدينا حكومة ظل، فيكون المؤتمر الوطني مجرد مسرح عرائس...

كما أن الفترة الماضية أثبتت لنا هشاشة كل التشريعات التي تصدرها الحكومة، فهم إن لم يعدلوا القانون الواحد مائة مرة (متجاهلين إرادة الشعب)، فإنهم بكل بساطة ينسون هذا القانون أو ذاك القرار في سبيل مصالحهم. ويمكنهم ببساطة أشد أن يصدروا قرارت جديدة، وقوانين مُعدلة، وقواعد استثنائية تجعل من المؤتمر الوطني العام وغيره من المؤسسات مجرد لعبة... وربما، إذا استمر هذا اللهو التشريعي، ربما حينها سيُدرك شعبنا أن القانون، في الواقع، ما هو إلا وسيلة – يمكن استخدامها بأي شكل لخدمة أية غرض.
   
وإن كنت قد أجلتُ الحديث بواقعية، فإن هذا لا يعني أن واقعنا يخلو مما يستدعي النحيب...


الواقع يفرض علينا أولاً أن نعترف بأن السلطة، الانتخابات، المناصب، هذه الأمور تُمثل بؤراً لأوبئة الفساد والأنانية، ونحن لا نمتلك مناعةً ديمقراطية تحمينا من أمراض فساد السلطة. الديمقراطية بالنسبة لنا لغةً أجنبية، لا نُتقنها، ولذلك – للأسف – نتمسك فقط بالصور! نتمسك بالمظهر دون الجوهر: فلا نطالب بإقامة أُسس قانونية وتفعيل رقابة قضائية وتطبيق مبادئ الشفافية أولاً، كلا، ولكننا نُجن وننتفض للإصرار على إقامة الانتخابات في وقتها! ولا نتفحص جدراة وقدرات المترشحين، ولا نطلب منهم برامجاً ومخططات واضحة ندرسها لنعرف لمن سوف نُسلم أمانة قيادة الوطن، ولكننا نصاب بنوبات هسيترية بسبب قائمة المعازيم! الجميع يريدون قطعة هبرة من اللحم، بغض النظر عن أي اختلاف في الحالة وأي تباين في الاستحقاق، فلربما كان الأحرى بنا أن نطالب بكل صراحة بأن تكون مقاعد المؤتمر الوطني خمسة خمسة!

ومع ذلك، قد يقول البعض بأن الأمر مختلف اليوم؛ لأننا (نحن) الذين سنقوم بالانتخاب والاختيار، ولكن حتى وإن كنا (نحن) الذين سنختار، وحتى إن انتخبنا المؤتمر الوطني بطريقة نظيفة وخالية من شوائب الفساد إلى حد النصاعة الديمقراطية، فإننا لن نضمن أي شيء في المستقبل... فالواقع يؤكد أن أصواتنا لا وزن لها في هذه المرحلة الفوضوية؛ لأننا لن نستطيع بأي حال أن ننتخب مجلساً كاملاً من الملائكة، وسيتحتم علينا انتخاب بعض البشر الذين لديهم قابلية للخير والشر، بل إنه من الحتمي أن ينفذ إلى المؤتمر عبر بعض الثقوب عددٌ من الشياطين...

ولذلك يتوجب علينا أن نتساءل: من سيضمن لنا تطبيق مبادئ الشفافية؟ البث التلفزيوني المباشر؟! ألن يقول أحدٌ ما بأن النقد الإدراي للحكومة يجب أن يكون سرياً ويتم وفق ضوابط قانونية وإلا عوقب الناقد كما تنص على ذلك أغلب القوانين الجنائية في العالم؟! ألن يجد أحدٌ ما أعذاراً؟! وماذا عن الرقابة؟ من سيراقب عمل المؤتمر الوطني؟ أم أنه سيصول ويجول بدون رقابة كالمجلس الانتقالي؟!!! بالطبع ستكون هنالك آلية لعزل بعض الأعضاء، ومن الطبيعي أن تمر علينا حالة أو حالتي استقالة، ولكن هذا لا يعني وجود مساءلة ومحاسبة؛ فمَن الذي سيطبق القانون على مرتكبي التجاوزات والمُقصرين ويضمن عدم تهربهم من المسؤولية؟! أين القضاء ليُسائل ويُحاسب؟ بل أين القانون والأمن والمحاكم والسجون...

التجربة أثبتت لنا أن (رقابة الضمير) هي أسوأ رقابة في التاريخ، ومن باب الحماقة أن نخوض عملية بناء الدولة بدون ضمانات ونعلق كل آمالنا على (أمنية) أن يكون الأعضاء المنتخبين ممن (يخافون الله)!


ونصل هنا إلى أهم شيء: النقد...

إن الابن لا يتقبل نقد أبيه في هذه الأيام، والصديق إن انتقد صديقه خاصمه وأصبح عدوه، ونقد الزوجة لزوجها مقدمةٌ للطلاق أو لتعدد الزوجات! مفهوم النقد عندنا دائماً عدائي وهجومي، لا نعرف أهدافاً للنقد سوى الحقد والحسد – نتجاهل تماماً القيمة الإصلاحية للنقد. فما الذي سيضمن لنا أن المؤتمر الوطني سيُنصت لنقد الشعب؟ ما الذي يمكنه أن يؤكد لنا أن المؤتمر الوطني لن يقتدي بسنة المجلس الانتقالي والحكومة المؤقتة في تجاهل نقد الشعب واتهامه بأنه طابور خامس؟ (أو حسب المصطلح الجديد: فلول!) لا يوجد أي ضمان؛ لأن مفهوم النقد مُشوهٌ في عقليتنا نحن المواطنون، وهو أكثر تشوهاً في عقلية الحكومات التي تراه خيانةً واعتداءً على سيادة الدولة في أحسن الحالات، وفي أسوأها لا ترى النقد أصلاً... بل الأعتى والأدهى هو أننا بهذه الانتخابات (نُحصِّن) المؤتمر الوطني وأعضائه من أي نقد!!! نسير نحو الفخ بأنفسنا، بدون أي ضمانات؛ فنحن نمنحهم حصانة (الشرعية الانتخابية) وأي نقد في المستقبل سيواجه بعبارة واحدة: (هذا مجلس مُنتخب...) وعلى الشعب السلام! تلك الشرعية التي يحلم بها المجلس الانتقالي، وتتداعك عليها المجالس المحلية، سنُعطيها للمؤتمر الوطني مجاناً وبدون أي ضمانات!

فما هي فائدة أصواتنا إن لم تكن مسموعة؟! خرف يا شعيب.. فيك يا وادي.. ينفخ في قربة مشروطة.. يذن في مالطا... مللنا من هذه الأمثال، مللنا من ذهب السكوت الفالصو، نريد أن تكون لأصواتنا قيمة وأن يكون لها أثر حقيقي، لا أن يتنافس عليها المترشحون وحسب – مجرد سلعة معروضة في مزادٍ علني.

ما هي فائدة أصواتنا إن لم تضمن لنا المستقبل؟! ما هي فائدة أصواتنا إن كانت أهميتها الوحيدة هي منح القوة والسلطة لبعض الأشخاص، بينما لا تمنحنا نحن الشعب شيئاً سوى الحناجر المتقرحة؟

هل أصواتنا صدقات؟!!!

نعطيها بدون مقابل؟ بدون حقوق؟ بدون مسؤولية؟ بدون مطالب؟ نعطيها فقط لصاحب أفضل حملة دعائية، ثم نرجوا الأجر والثواب من الله سبحانه وتعالى؟!!! وهل من المعقول أن نطلق أصواتنا في العراء بدون حماية؟ بدون قانون وبدون قضاء وبدون رقابة؟ هل من الوطنية والعقلانية أن نركض كالقطيع ونشارك في انتخابات لا تبشر بشيء سوى بقاء الحال كما هو عليه؟!!!

طيلة الفترة الماضية، بعد ثورة الحرية والكرامة، بعد ثورة استعادة الإنسانية، طيلة هذه الفترة لم يكن لأصواتنا فائدة... وإن لم يكن للتصويت في الانتخابات القادمة أي أهمية، فيبقى هنالك نوعٌ آخر من التصويت قد يُفيدنا في حالة تدهور الأوضاع بشكل يستدعي المواساة...


* ملاحظة: لا أدعو لمقاطعة الانتخابات، ولكنني لن أروج لها وكأنها جوهرة تاج النصر وخلاصة الثورة... تشاؤمي له مقوماته الواقعية، ولكنني سأعترف بأن هنالك بصيصٌ خافتٌ من الأمل قد يدعو إلى تفاؤلٍ هزيل؛ فالمؤتمر الوطني في النهاية هو مجرد (تجمع) من الأشخاص، وربما، ربما، يبقى هنالك أمل في أن بعض هؤلاء الأشخاص سيعملون على تصحيح الوضع، فلنحاول أن نُحسن الاختيار...


ليبيا المستقبل: 7 يوليو 2012.


مع اقتراب انتخابات لجنة الستين (اللجنة الدستورية التأسيسية)، ومع مئات المبادرات حول وضع المؤتمر الوطني والتي تجعلنا لا نعرف مصير هذا المؤتمر والذي ربما قد يؤدي إلى انتخاباتٍ أخرى، مررتُ على هذه المقالة القديمة، وأحسستُ إلى حدٍّ ما بأنها مرتبطة بالوضع الحالي وفيض الانتخابات في البلاد، أعني أنها مرتبطة بانعدام قيمة الانتخابات، كما يؤكد ذلك عزوف المواطنين عن التسجيل للمشاركة في الانتخابات، الأمر الذي قد يُخفِّفُ من وطأة عذر (الشرعية الانتخابية)، ولكن أهم شيء فيه أنه يعكس حقيقة مشاعر الشعب الذي أدرك بأن الديمقراطية تكاد تكون خدعة حين لا تتوفر لها البيئة الملائمة ولا الثقافة السياسية اللازمة... لا أعلم، شيءٌ ما لملء الفراغ في هذه المدونة... وربما بداية لجمع كل المقالات (المتشائمة) التي سبق لي نشرها! فقد أقررتُ بأن المسؤولية الوطنية تعني التشاؤم!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق