الاثنين، 18 فبراير 2013

غير مُجدٍ في ملتي واعتقادي...


وفي وسط الثورة السورية... يترك البعض كل المعارك وكل القتال وكل الجهاد، ويتصدون لتمثالٍ أعزل! فيطلقون الرصاص على فيلسوف الشعراء، ثم يطبقون عليه حد الأصنام! ويقطعون رأسه...

ولا أعلم تماماً بماذا نرد أو ماذا نقول...

ولكنني أشك أنه إذا كان أبوالعلاء المعري حياً اليوم، أظنه كان سيهز كتفيه بلامبالاة، ويُعلق ببساطة:

غير مُجدٍ في ملتي واعتقادي *** نوحُ باكٍ ولا ترنُّمُ شادِ

وربما يضحك قليلاً ويقول: (كنت أطلب أن يتركني الناس في حالي لو كنتُ حبةً في الثرى، فما بالك وقد نصبوا لي تمثالاً؟! أشهدُ أنهم قد أراحوني!)

وفي النهاية... ربما يعبس قليلاً، ويتنهد قائلاً:

كذبوا إن ادعوا الهدى فجميعهم *** يسعون في تـيهٍ بـغير منارِ
فاهـرب بدينكَ من أولئك إنهم *** حربوك واحتربوا على الدينارِ


الأحد، 17 فبراير 2013

هل نستطيع الاحتفال بذكرى انطلاقة الثورة؟

بدايةً اسمح لي عزيزي القارئ بأن أطمئنك بأن هذه المقالة لا تهدف إلى إرهابك من نيران جهنم بالحديث عن موقف الفقه من تحليل وتحريم الاحتفال بالمناسبات غير الدينية! ولا هي إحدى تلك المقالات التـي تتساءل عن عقلانية الاحتفال في هذه الفترة الحرجة، والتي تنصح الناس بالابتعاد عن مظاهر الاحتفال الخطيرة والغبية...

إنها مجرد مقالة يختلط فيها الفرح بالقلق...

فلا أعلم هل نستطيع أن نحتفل بهذه المناسبة أم لا... هل حققنا ما كنا نسعى إليه؟ هل لدينا ما نفخر به غير تضحيات الشهداء؟ الأمر صعب... ولكن ربما نستطيع أن نعرف الحل؛ فالاحتفال دائماً تسبقه التهنئة التي تُعرِّف به وتدل على أفراحه... فدعنا يا عزيزي القارئ نتبادل التهاني لعلنا نستطيع الوصول إلى جواب...

أهنئك أولاً يا عزيزي القارئ بمناسبة ذكرى انطلاقة الثورة (سواءً أكانت 15، أو 17 فبراير)... أهنئك، وأهنئ نفسي، وأهنئ كل شعبنا الحبيب بهذه الذكرى: كل سنة والجميع بخير، وعقبال 100 سنة إن شاء الله! والله أعلم إن كانت هذه الأمنية تعني استمرار الثورة... أو استمرار الاحتفال بانتصار الثورة...

ولكن... اعذرني عزيزي القارئ...

الأربعاء، 13 فبراير 2013

أفلام الرعب...

وتستمر ليالي الرعب في ليبيا... كل فترة يظهر فيلم رعب جديد...

مظاهرات تطبيق الشريعة: وحوش الظلام!... مظاهرات الفيدرالية: الساطور القاطع!... جمعة إنقاذ بنغازي: العملاق يستيقظ!... جمعة بنغازي لن تموت: القاتل الخفي!...

وغيرها من أفلام الرعب القصيرة، مثل مظاهرات حقوق المرأة (طاعون الانفلات!!!) ومظاهرات السجناء في السجون غير التابعة للدولة (من قتل القانون؟!) والاقتحامات هنا وهناك (عصابات ليبيا: الجزء1، و2، و24، و507...) وبالطبع بعض مسلسلات الرعب مثل ملحمة (سيرة بني وليد الخضراء) وكوميديا (الأخ القائد: طاغوت خطير، ميت ويطير!)... وإلخ إلخ إلخ من الرعب الرعب الرعب...

والآن يظهر آخر أفلام الموسم: مظاهرة 15 فبراير: الموت القادم من الشرق!!!

والمثير للعجب هو أن الجمهور – أي الشعب – يُشاهد هذه الأفلام ويُصاب بالرعب الشديد! رُعب رُعب... أعني رُعب يجعلنا نتخاصم مع بعضنا البعض! رعب يجعلنا نشتم بعضنا البعض! رعب يجعلنا نتهم الآخرين بالفتنة!! بالخيانة!!!! رعب يقسم الشعب إلى فئتين: مؤيدو المظاهرة، ومعارضوها، وكل فئة تبدأ في قصف الفئة الثانية بالاتهامات: أزلام، خونة، متخاذلون، جبناء، انفصاليون، مركزيون، جهوين، فوضويون، عنصريون، شيوعيون، صهيونيون... ويزداد الرعب كلما ازداد الترويج الإعلامي لفيلم الموسم!

لن ننكر أن الرعب له أسبابه... ولكن... هل هي أسباب (حقيقية)؟ أم (خيالية)؟ دعونا نحاول معرفة ذلك... لعلنا نعرف (حقيقة) الرعب إن استطعنا التمييز بين الخيالي والحقيقي...

الثلاثاء، 12 فبراير 2013

علي بن الجهم والغربة: الضحك في جنازة هذا الغريب...


كثيراً ما تنتشر بعض قصص الشعراء بيننا عامة الناس، فنجد أنفسنا – كأكبر نقاد الأدب! – نعرف قصصاً عن الأمر بهجر الخمر عند امرئ القيس، وحب عنترة العذري وأيضاً حبه المنفلت مع السيف، وجولات الملاكمة بين جرير والفرزدق، والمجون الأعمى لبشار، وقصص أبي نواس التي تقطر خمراً، وفنون أبي تمام في النحت، والسم الحارق لابن الرومي، وعرش المتنبي على مملكة الشعر... وغيرهم الكثير ممن نجد لهم قصصاً طريفة ومُبهرة نتداولها في جلساتنا، والتي تنتشر اليوم كالنار في الهشيم على الإنترنت.

وإن كان هذا الأمر محمودٌ لما فيه من جرعات ثقافية (ولو كنت أشك في أن الإنترنت يترك أي أثرٍ دائم...) إلا أنه في أحيانٍ كثيرة تنتشر (شائعات) وحسب، قصص لا أساس لها من الصحة، وهذا أمرٌ طبيعي، فهذه القصص لا تنتشر بين متخصصين في الأدب والنقد، وإنما تنتشر بيننا نحن المتخصصين في الضحك والثرثرة.

من بين هذه القصص، قصة عن الشاعر العباسي علي بن الجهم، تقول أنه كان بدوياً خشناً، وأنه غادر البادية وذهب إلى عاصمة المدنية والتحضر بغداد. وهناك دخل على الخليفة المتوكل، وبلا شك بعد تحية بدوية جزلة ألقى عليه قصيدة مدحٍ بدأها بقوله:

أنت كالكلب في حفاظك للود *** وكالتيس في قِراع الخطوب
أنت كالدلو،  لا عدمناك دلواً *** من كبار الدلا كثير الذنوب

وطبعاً كان من الحتمي أن يختلط الأمر على جلساء الخليفة! فظنوا أن هذا الشاعر يسبه ويشتمه، وحين وقفوا لإسكات الشاعر – وربما حتى ضربه تملقاً للخليفة! – منعهم الخليفة من ذلك. وفي بادرة تدل على حكمته ونظرته الثاقبة أمر الخليفة بأن يُمنح الشاعر بيتاً على شاطئ نهر دجلة، وأن يوفر له كل ما لذ وطاب من هناء العيش (القصة تذكر فقط الطعام، ولا أعلم لماذا لم تُذكر الجواري!). وعاش الشاعر في المدينة ينعم بأطايب الثمر (والبشر!)، ثم عاد إلى الخليفة، وهذه المرة ألقى عليه قصيدةً منظومةً من العسل والمسك، بعد قصيدته السابقة المعجونة من الطين والحصى! وكان مطلع القصيدة (الحضرية) هو أحد أشهر بيوت الغزل في اللغة العربية:

عيون المها بين الرصافة والجسرِ *** جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري

وهنا قال الخليفة المتوكل: (لقد خشيت عليه أن يذوب رقةً ولطافة!) وضحك الخليفة، وضحك جلساؤه، وضحك الشاعر، وضحكت بغداد كلها، وضحك الروم، وضحك الفرس... ومازلنا إلى اليوم نضحك على هذه القصة الرائعة التي سردت كيف قام الخليفة المتوكل بترويض البدوي الغليظ علي بن الجهم وجعله حضرياً رقيقاً يذيب بشعره الصخور!!! لقد قام الخليفة بحذاقة بفك عقد هذا الشاعر، وحوَّله من سلكٍ بدويٍّ شائك إلى خيطٍ حضريٍّ من الحرير!

ولكن... هذه القصة غير صحيحة إطلاقاً...