وتستمر ليالي
الرعب في ليبيا... كل فترة يظهر فيلم رعب جديد...
مظاهرات تطبيق
الشريعة: وحوش الظلام!... مظاهرات الفيدرالية: الساطور القاطع!... جمعة إنقاذ
بنغازي: العملاق يستيقظ!... جمعة بنغازي لن تموت: القاتل الخفي!...
وغيرها من
أفلام الرعب القصيرة، مثل مظاهرات حقوق المرأة (طاعون الانفلات!!!) ومظاهرات السجناء
في السجون غير التابعة للدولة (من قتل القانون؟!) والاقتحامات هنا وهناك (عصابات
ليبيا: الجزء1، و2، و24، و507...) وبالطبع بعض مسلسلات الرعب مثل ملحمة (سيرة بني
وليد الخضراء) وكوميديا (الأخ القائد: طاغوت خطير، ميت ويطير!)... وإلخ إلخ إلخ من
الرعب الرعب الرعب...
والآن يظهر آخر
أفلام الموسم: مظاهرة 15 فبراير: الموت القادم من الشرق!!!
والمثير للعجب
هو أن الجمهور – أي الشعب – يُشاهد هذه الأفلام ويُصاب بالرعب الشديد! رُعب
رُعب... أعني رُعب يجعلنا نتخاصم مع بعضنا البعض! رعب يجعلنا نشتم بعضنا البعض! رعب
يجعلنا نتهم الآخرين بالفتنة!! بالخيانة!!!! رعب يقسم الشعب إلى فئتين: مؤيدو
المظاهرة، ومعارضوها، وكل فئة تبدأ في قصف الفئة الثانية بالاتهامات: أزلام، خونة،
متخاذلون، جبناء، انفصاليون، مركزيون، جهوين، فوضويون، عنصريون، شيوعيون،
صهيونيون... ويزداد الرعب كلما ازداد الترويج الإعلامي لفيلم الموسم!
لن ننكر أن
الرعب له أسبابه... ولكن... هل هي أسباب (حقيقية)؟ أم (خيالية)؟ دعونا نحاول معرفة
ذلك... لعلنا نعرف (حقيقة) الرعب إن استطعنا التمييز بين الخيالي والحقيقي...
الرعب من أن
تؤدي المظاهرة لسيطرة الأزلام على بلاد كلها ثوار وسلاح وكتائب، والرعب من قيام
القذافي من الموت وعودتنا لزيد تحدى زيد... خيالي...
الرعب من وجود
الأزلام، الرعب من انتشار السلاح، الرعب من عدم وجود الرقابة الأمنية، الرعب من
غياب القانون... حقيقي...
السبب ليس
المظاهرة إذاً...
الرعب من قيام
مظاهرة واحدة بقطع البلاد بالنصف، بينما فشل القذافي أثناء حرب طاحنة في فعل
ذلك... خيالي...
الرعب من خلاف
الأخوة، الرعب من فشل الحكومة ومركزيتها، الرعب من العقلية الجهوية... حقيقي...
السبب ليس
المظاهرة إذاً...
الرعب من أن
هدف المظاهرة العنف والتخريب والتدمير... خيالي...
الرعب من جهلنا
وميولنا للعنف، الرعب من سذاجتنا وانقيادنا خلف العواطف، الرعب من عدم وجود تنظيم
وتنسيق، الرعب من عدم وجود أمن... حقيقي...
السبب ليس
المظاهرة إذاً...
الرعب من أن
تُسقط هذه المظاهرة المؤتمر المُنتخب، بينما فشلت كل المظاهرات السابقة في إسقاط
المجلس الانتقالي، أو المكتب التنفيذي، أو حكومة الكيب، أو حتى وزير صحة أو
إسكان... خيالي...
الرعب من غياب
الحكومة الحالي، الرعب من تقصير الحكومة، الرعب من عدم وجود تعاون، الرعب من
المصالح الشخصية والحزبية والجهوية... حقيقي...
السبب ليس
المظاهرة إذاً...
أسباب الرعب
التي نتخاصم حولها، والتي يُضخمها البعض ليست حقيقية، وهي فقط (خيال) في أفلام رعب
لها نفس المخرجين: فإما يكون المخرج المكروه (أزلام عبدالقذافي)، أو المخرج المثير
للجدل (قاسم بوفيدرالي)، وأحياناً قد يكون المخرج الشاب (صايع الانفلاتي)...
ولكنها كلها محض خيال، أو لنقل بأنها خيال يستغل الواقع... وهنا مربط الفرس: الحد
الفاصل بين خيال المظاهرات، وبين واقع البلاد...
أسباب الرعب
ليست المظاهرات... ومشاكلنا لن يحلها منع مظاهرة؛ فغداً ستأتي مظاهرة أخرى، وغداً
سيظهر تسجيل جديد لأحد الأزلام، وغداً سنسمع دوي انفجار جديد، وغداً سنقف في جنازة
ضحية جديدة للاغتيال، وغداً سوف تحدث فوضى وأعمال تخريب جديدة، وغداً سوف يدعو
البعض للفتنة، وغداً ستفشل الحكومة من جديد... فهل ستختفي المشاكل إذا منعنا
مظاهرة؟ إذا منعنا مسيرة؟ اعتصام؟ معارضة؟! أكاد أجزم بأن ذلك لن يحدث، المشاكل لن
تنتهي إذا منعنا المظاهرة أو إذا قاطعناها، أعلم ذلك تماماً كما أعلم أن المشاكل
لن تنتهي إذا خرجت المظاهرة... ومع ذلك فوائد خروج المظاهرة أكثر من فوائد منع
المظاهرة، فها هي بعض الفوائد تتجسد على الساحة، فرأينا الحكومة تلهث لتهدئة الشعب
وتخفيف الاحتقان، وتُوزع الوعود يميناً وشمالاً وكأنها حبوب مهدئة (أو حبوب
هلوسة؟!)، في الاجتماع في بنغازي تم الحديث عن إنهاء المركزية، وعن الخطة الأمنية
الجديدة، وعن الجرحى... وتم الحديث عن تأمين بنغازي الآن وباقي المدن تباعاً، وتم
الحديث عن قوى أمن دبلوماسية لتأمين السفارات والبعثات الأجنبية... وانتشرت الدعوة
للمشاركين في المظاهرة ولمنظمات المجتمع المدني لتنظيمها وتنسيقها لمحاولة ضمان
عدم انفلاتها أو استغلالها... كما نسمع كل يوم أخباراً عن رصد مكالمات، والقبض على
خلايا نائمة، وخلايا مستيقظة، ومصادرة أسلحة ومتفجرات (لقد تواردت هذه الأخبار
بكثرة لدرجة أن أي خوف من اختراق المظاهرة من المفترض أنه تم القبض عليه!)... فهذه
فائدة رائعة للرعب الخيالي أليس كذلك؟! وهذا لا يمنع أن تخرج المظاهرة، التي حصدت
ثماراً قبل أن تزرع حراكاً، بل يُشجع الآن خروجها في اطمئنان أكبر، وبرؤية أوضح...
ما أريد قوله
أن المظاهرة ليست السبب في أي مشكلة، لم تخلق أي مشكلة، بل إنها ساهمت في تحصيل
حلول – أو بالأحرى خطط ووعود... المظاهرة نشأت بسبب وجود المشاكل أصلاً، وإذا
بقينا نتوهم بأن الرعب سببه المظاهرات، وتجاهلنا أسباب الرعب الحقيقية، تجاهلنا
المشاكل الحقيقية التي تتجول في الشوراع كل يوم ولا تحتاج لمظاهرة أو اعتصام
لتُثير رعبنا... إذا أغفلنا مشاكل بلادنا الحقيقية، وبقينا نقول بأن سبب المشاكل
هو فقط المظاهرات... إذا تعلقنا بأفلام الرعب الخيالية، وتجاهلنا الواقع... فحينها
لن تحل هذه المظاهرة شيئاً، ولن يحل منعها شيئاً...
ليبيا المستقبل: 13 فبراير 2013
* ملاحظة: للأسف قاموا في الموقع بتغيير تنسيق المقالة، مما أثر على طريقة العرض قليلاً... ولكنها في النهاية مقالةٌ تافهة في الأصل، وليس لجرحٍ بميتٍ إيلام...
* ملاحظة: للأسف قاموا في الموقع بتغيير تنسيق المقالة، مما أثر على طريقة العرض قليلاً... ولكنها في النهاية مقالةٌ تافهة في الأصل، وليس لجرحٍ بميتٍ إيلام...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق