أريد أن أكتب عن الكثير من الأشياء...
أريد أن أكتب عن سلوى بوقعيقيص رحمها الله، أن أكتب
عما يعنيه رحيلها، عما خسرته ليبيا.. أريد أن أكتب عن الشعب الليبي الذي كفرتُ به
كفراً صريحاً، أريد أن أكتب عن كل الخرافات العالقة بهذا الشعب وبفطرته الملائكية!
أريد أن أكتب عن معركة (المراوحة) التي تحتدم في بنغازي الآن، والتي لم ينتج عنها
إلا تحويل بنغازي إلى مدينةٍ مُحاصَرةٍ بالحرب، أصبحنا نشتاق للنوم دون إزعاج
القصف والقذائف والانفجارات، أمسينا نشتاق للأيام المملة حين لا تعرف أين تذهب
وماذا تفعل (عوضاً عن الأيام المليئة بالجنازات والمقابر وخيم العزاء...).. أريد
أن أكتب عن الاغتيالات عن التفجيرات، عن أسراب الرصاص التي تغزو بنغازي، عن طاعون
الموت الأحمر المنتشر في مدينتنا، عن طوفان الأسى والألم الذي نغرق فيه.. أريد أن
أكتب عن الإعلام الليبي التافه، الإعلام الذي يعتبر مسؤوليته التقاط ألسنة اللهب
من المعارك والتفجيرات وإحراق المواطنين بها، الإعلام الذي يدوس مُسرعاً في دماء
الضحايا ليغمس أيديه فيها ويطلخ بها وجوه المشاهدين والمتابعين والقراء، الإعلام
الذي أريد سبه وشتمه بكلام قد يُصنِّف هذه المدونة على أنها مدونة إباحية زنديقية!
أريد الكتابة عن التطرف، عن كارثة ممارسة الإرهاب باسم الدين، عن مأساة الوضوء
بالدماء والصلاة فوق الجثث، عن جحيم التكفير بالجملة، وليس بأسعار الجملة، ولكن
بالمجان للجميع! أريد أن أتحدث عن استغلال مآسي الشعب من قبل العسكريين والسياسيين
والثورجيين والإعلاميين وحتى الشعب نفسه.. أريد أن أتحدث كثيراً عن مآسي ليبيا،
وعن الجرح الغائر في وسط قلبها تماماً الذي هو بنغازي، وعن السبية التي هي طرابلس،
وعن الجنوب الذي لم نعد نعرف أين يقع، في بلادنا أم في بلادٍ شقيقة في كوكبٍ
آخر...
وأريد أيضاً أن أكتب عن العالم هو الآخر، عن مسلسل
الدولة الإسلامية الرمضاني، وبطله البغدادي! عن الدين الذي كنا نراه على الإنترنت
صوراً لآياتٍ وأحاديث وشيوخ، فأصبح صوراً لذبحٍ ورؤوسٍ مقطوعةٍ وشياطين يحملون
راية الدين! أريد أن أكتب عن فلسطين وغزة، أريد أن أكتب عن أطفال فلسطين، أريد أن
أكتب عن أبوخضير الشهيد وعن أبوخضير الجريح، أريد أن أكتب عن الحرب التي يشنها
العالم بأسره على غزة: إسرائيل تقتلهم بالقصف، الغرب يقتلهم بالشتم والسب والكذب،
والعرب يتقلونهم بالتثاؤب وتغيير المحطة..
يا إلهي كم هنالكٌ دمٌ وألمٌ وحزنٌ كثيرٌ أريد أن
أكتب عنه...
وأريد.. بكل خجلٍ وحياء، وسط كل هذا الموت والحرب
والحزن، أريد أن أكتب قليلاً عن الحياة.. أن أكتب عن الكتب والقراءة، أن أكتب عن
الشعراء والكُتَّاب، أن أكتب عن علم النفس والاجتماع، عن الأدب والروايات، عن
الشعر وعن الشعر وعن الشعر، أن أكتب عن الفلسفة وأتوه في ألغازها وأُتوِّه معي من
قد يقرأ كلامي (وأظنه فقط أنا...)، أريد أن أكتب عن بعض ما يُثير اهتمامي، عن بعض
الاكتشافات العلمية الجديدة، عن بعض الاكتشافات التاريخية القديمة، وكل شيءٍ
اكتشافٌ لشخصٍ جاهلٍ مثلي، وأريد أيضاً أن أكتب عن التفاهة! وبكل تفاهة!
وربما أيضاً أجد شمعةً في صدري أكتب على ضوءها عن
رمضان، عن القرآن، عن الدين، عن الإيمان، عن الإسلام...
أريد أن أكتب عن الكثير... ولكنني لا أستطيع...
والصمت هنا ليس موقفاً، لا يُعبِّر عن شيءٍ سوى عن البُكم، والبُكم ليس خياراً،
أعني أنه ليس عجزاً ولكنه... لا أدري، إنه فقط خجلٌ يدفعني لمحاولة الشكوى لنفسي
ومحاولة تبرئة نفسي بالكتابة عن كل ما أريد كتابته! إنها قمة المأساة، قمة
الملهاة!
اكتب إذاً!!!
وتأتي، من بعيد، كلمةٌ، أو حرفٌ، في هيئة سؤال:
ولكن؟!
وأُعيد تذكير نفسي، بأن الشكوى في حدِّ ذاتها دعاء،
وبأن الصمت أيضاً قد يكون عبادةً... ولكنه ليس كتابة!
لا مفرَّ من الخجل...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق