في متاهات الإنترنت لا يعرف المرء ماذا سيجد من أخبارٍ
غريبة... خاصةً حين يكون الإنترنت بالنسبة للشخص هو مجرد محاولة للهرب من كل شيء...
الهرب من مسؤوليات وهموم الحياة... الهرب من أخبار بلادك ومدينتك... تحاول أن تهرب،
وهذا الهرب في الشبكة العنكبوتية قد يُوقِعك في مواقعٍ تافهة، أو غريبة، أو مفيدة أحياناً...
وربما تجد نفسك وقعتَ على خليطٍ من كل هذه الأمور...
متاهة الإنترنت... الداخل إليها مفقود، والخارج منها مولود! وأحياناً تكون أفضل ملاذ من العالم...
قد تمر في بعض المواقع على آخر التطوارت بخصوص الكون
الذي نعوم في فضائه. لعلك كنت تعلم بأن الكون يتمدد باستمرار. اكتشافٌ قديمٌ كاد أن
يُكلَّف إينشتاين نظريةً كاملة؛ حيث كان يظن بأن الكون لا يتمدد ووضع له (ثابتاً
كونياً). ولكن، للأمانة العلمية، فاعتبار الكون ثابتاً كان احتمالاً ضرورياً لنظرية
النسبية في ذلك الوقت، وحتى مع اكتشافات تمدد الكون، يبقى لعنصر (الثابت الكوني) مكانٌ
مهم في المعادلات الأستروفيزيائية والفيزياء النظرية، وخاصةً مع الاكتشافات التي تقول
بوجود ثابت كوني من نوعٍ ما يساهم في ضبط عملية تمدد الكون... وبعد الاعتذار على هذا
الصداع العابر نعود لفكرة أن الكون يتمدد: معلومةٌ قديمة، ولكن المعلومة التي قد لا
تعرفها هي أنه في عام 2011 تم إثبات (تسارُع) تمدد الكون، الأمر الذي جعل البعض يصفون
الكون الذي يمكننا ملاحظته – الذي تسمح لنا التكنولوجيا بالتعرف عليه – بأنه (لا حدَّ
له...) أي أنه لا ينتهي في مكانٍ ما – لا توجد حافةٌ يمكن أن يقع من فوقها كوكبٌ أو
نجم! وبالرغم مما قد تؤدي إليه هذه النظرية من تطورات في الدراسات العقائدية وعلم الكلام
ونظريات التجسيم والحد! فإن ما تَوصَّل إليه بعض الباحثين مؤخراً، بناءً على نظرية
تسارُع تمدد الكون، هو نفي أن تكون الكرة الأرضية – أو بالأحرى مجرة درب التبانة –
مركز الكون. تسارع تمدد الكون يحتاج لسبب، والسبب إلى الآن محض تخمين يدور بين عدة
نظريات، إحداها كانت أن مجرتنا تقع في وسط الكون. ولكن العلماء في جامعة دارتموث الأمريكية
قد نفوا هذه النظرية عبر دراسة الانبعاثات الضوئية في الفضاء، حيث نفت الدراسة أن يكون
لمجرتنا موقع مركزي عبر مقارنة الانبعاثات الضوئية ومدى انتشارها. وبالرغم مما قد يثيره
ذلك من تطوراتٍ أكثر حدةً في علم الكلام والمجادلات الدينية! فإن هذا الاكتشاف الذي
ينفي أن لكوكبنا – بل مجرتنا كلها! – أي أهمية في الكون قد يلفت انتباهنا قليلاً لمدى
تفاهتنا حين نظن بأنه لا يوجد في العالم سوانا، وأن مشاكلنا في البيت، أو في مدينتنا،
أو في بلادنا، أو في إقليمنا، أو في قارتنا، أو في كوكبنا، أو في مجرتنا كلها هي أهم
المشاكل في العالم!!!
بل حتى نظامنا الشمسي (في الخريطة Sun’s
Location) ليس موجوداً في وسط مجرتنا! ناهيك عن موقع
مجرتنا في الكون!
حين تمر على مثل هذه الأخبار قد تتساءل قليلاً عن مدى
فائدة هذه الأمور... ماذا ستفيدنا معرفة تفاصيلٍ مُعقَّدة عن الكون الشاسع الذي لا
نستطيع زيارة أيَّ جزءٍ منه؟! أليس الأفضل أن تُستثمر هذه المجهودات في أشياءٍ أكثر
فائدةً لنا على كوكب الأرض؟! بالطبع سأتجاهل الأخبار عن اكتشاف مياه على سطح يوروبا،
أحد أقمار كوكب المشتري... هذا الخبر قد يبدو مفيداً، ولكنه ليس كذلك! على الأقل لا
أظن أنه سيكون مفيداً قبل زمنٍ طويل، ولو كان ما أظهرته الأبحاث من احتوائه على
نسبة من الماء أكثر مما تحتويه الأرض كلها وهو قمر أصغر منها بعدة مرات، مثيراً
للاهتمام... ولكن دعنا نتجاهل هذا الأمر حالياً لبُعده عنا زمنياً وتكنولوجياً...
ونستمر في التساؤل عن – وربما السخرية من – جدوى علوم الفيزياء والفلك، وهي بصراحة
جدوى مستعصية قد تدفعك لإيجاد أخبار تبدو أكثر فائدةً لنا سكان الكرة الأرضية... فقد
تقرأ مثلاً عن توصل علماء من رومانيا إلى ابتكار دماء اصطناعية!
هذا الاختراع مبني على بروتين مُستخلص من كائنات بحرية
اسمه (هيميريثرين)، والخلطة السرية التي توصل إليها هؤلاء العلماء يمكن أن تتحول إلى
دماء فقط بإضافة الماء، تماماً كحليب الأطفال أو عصير تانج! هذه الدماء الفورية قد
تكون مفيدةً جداً في الحد من إمكانية حدوث مضاعفات والتهابات في عمليات نقل الدم، وقد
تكون أيضاً بديلاً مؤقتاً، لساعات أو حتى أيام، في حالة عدم توفر دماء طبيعية للمرضى.
الهيميريثرين يؤدي نفس وظيفة الهيموجلوبين في نقل الأكسجين، ولكنه يختلف عنه من حيث
أن لونه أصفر، وليس أحمراً داكناً كما هو لون الهيموجلوبين (سبب لون الدم الأحمر).
ولكن بعض العلماء من أمريكا يُشكِّكُون في مدى فعالية الهيميريثرين، ويقولون أن البروتينات
البديلة للهيموجولبين غالباً ما تؤدي إلى أمراض القلب، وقد تسبب أضراراً لبعض الأعضاء
كالكِلى، كما أن الكثير من التجارب السابقة حول البروتينات البديلة للهيموجلوبين أظهرت
مدى سمومة هذه البروتينات على جسم الإنسان. هذا الاختراع (لا أظن أنه يمكن تسميته اكتشاف!)
مازال في مراحل تطويره الأولى، لم يتجاوز مرحلة فئران المختبرات، ولكن العلماء الذين
طوروا هذه الدماء الفورية يُؤكِّدون بتفاؤل بأنهم قد ينتقلون سريعاً إلى مرحلة التجارب
البشرية بمجرد أن يتيقنوا من عدم سمومية الهيميريثرين على الفئران. مجهودٌ علميٌّ مفيد،
ولو كان غريباً – دماء فورية صفراء! وكما ذكرنا في البداية فإن بعض هذه الأخبار قد
تجمع بين الفائدة والغرابة وبين التفاهة أيضاً: فإحدى المقالات حول الدماء الفورية
أو الاصطناعية تحدثت عن مصاصي الدماء وداركولا؛ نظراً لأن العلماء الذين توصلوا إلى
الاكتشاف هم من رومانيا: موطن دراكولا الأسطوري!!!
بصراحة ستكون هذه الدماء الصفراء مشروباً (أقل
إثارة للشبهة) بالنسبة لمصاصي الدماء!!!
ولكن، ومع كل هذه الأخبار العلمية المثيرة للإعجاب،
فإنك – وأنت مازلت تواصل هربك – لابد وأن تصادف خبراً سيجعلك تشعر بالحنق... فقط الحنق،
وربما الكثير من الحقد والغضب... لن تشعر بالانبهار، ولن تحس بالغرابة... ستشعر فقط
بالحنق لأنك تُحس بأن عنصر (التفاهة) هو الغالب في هذا الخبر، مهما كان علمياً إلى
حد الضجر...
هذا ما أحسستُ به حين قرأتُ خبراً عن تجربة تم القيام
بها في بريطانيا مؤخراً، وهي تجربة أجراها أحد أشهر طباخي بريطانيا بالتعاون مع علماء
من جامعة نوتنجهام... التجربة – وأرجو أن يُلهمكم الله الصبر – التجربة هي لتحديد ما
إذا كان طعم البسكويت ألذ وهو مغموساً في الشاي أم دون غمسه في الشاي... نعم، هكذا
بكل وقاحة وتفاهة وفراغ تم إجراء تجربة لمعرفة هل الكعك ألذ مع الشاي أم بدون الشاي:
هل يزيد (التغميس) من نكهة البسكويت؟! أم أن مذاقه أفضل جافاً دون تغميس؟! عليَّ الاعتراف
بأنها هذه التجربة هي مساهمة رائعة للتجربة البشرية في عالمنا المعاصر الذي يقف على
هاوية الانهيار، مع كل الأمراض والأوبئة والفقر والمجاعات والمشاكل البيئية، مع كل
مآسي العالم الحديث، هذه هي أهم تجربة كان يجب القيام بها...
مشاعر الحقد والحسد والقهر وال... أشياء كثيرة لا أستطيع وصفها... الكساد لا دين له!!!
هذا الخبر دفعني للبحث عن تجارب مشابهة من حيث (الأهمية)...
وفي الحقيقة فقد صُدمت لما وجدته من تجارب أغرب ما فيها هو (تفاهتها)! كالدراسة العلمية
المُعتمَدة والمُوثَّقة التي أجراها ثلاثة علماء فرنسيين – ثـــــــــــلاثـــــــة!
– لمقارنة (مدى القفز) عند براغيث الكلاب وبراغيث القطط... والحمد لله أصبحنا نعرف
أن براغيث الكلاب قفزتها أطول من براغيث الققط بسنتيمتر، وأحياناً بسنتيمترين كاملين!
أو مثلاً التجربة التي استغرقت ستة أو سبعة أشهر لمعرفة هل تتثاءب السلاحف حين ترى
سلحفاةً أخرى تتثاءب ( كما هو حال عدوى انتقال التثاؤب عند البشر)، وهي تجربة علمية
أثبتت بشكلٍ مُبهرٍ جداً بأن السلاحف لا تنتقل بينها عدوى التثاؤب، الأمر الذي كان
له أثر كبير في... لا شيء... لا شيء على الإطلاق... وقبل أن ننتهي، فإذا راودكم الفضول
في أحد الأيام لمعرفة ما هي المسافة التي يمكن أن يصل إليها – مع الاعتذار! – براز
طائر البطريق، وما هي سرعة هذه العملية، وما هو الضغط اللازم لهذه العملية، فلا تقلقوا
فإن اثنان من العلماء (واحد من ألمانيا، والثاني من المجر) قد اكتشفا كل ذلك من التجارب
التي أجروها على طيور البطريق في القطب الشمالي... وللأمانة العلمية فإنهما يذكران
في بحثهما المُفصَّل بشكلٍ مُثيرٍ للجنون (أو ربما بسبب الجنون!) بأن اختيار البطاريق
لاتجاه الوقوف، وتأثير الرياح، هي عوامل لم يكشف البحث عن دورها في العملية...
صورة حقيقية... لا يوجد ما يمكن أن يُقال...
لطالما ارتبطت الحضارة بالعلم، هذا شيء لا يمكننا أن
نُجادِل علماء الاجتماع فيه، مهما كان (العلم) المقصود تفاهاً! ولكن عندما نَمُرُّ
على مثل هذه الأخبار، فإننا لا نستطيع منع أنفسنا – في عالمنا الثالث – من الإحساس
بالحنق! أم ربما هو الحسد؟! لا أعلم بالتحديد... مهما كان الخبر فإننا بلا شك سوف نُحسُّ
بالقهر، سوف نحكم عليه بأنه تافه ولا حاجة له، والسبب بكل بساطة هو أننا نُعاني من
مشاكل أبسط بكثير من كل هذه الأمور، احتياجاتنا اليوم أساسيةٌ جداً – بمعايير الزمن
المعاصر – ولا يمكننا تخيل إنفاق أي وقت أو مجهود على دراسات علمية لا تعالج مشاكلنا
اليومية؛ ولذلك مهما كان الخبر فسوف نُحس بالقهر والحنق، ولو كان حول دراسات ونظريات
أستروفيزيائية حول الفضاء، أو دراسات طبية حديثة ومتطورة، أو تجارب قياس سرعة وقوة
خروج فضلات البطريق!!! نحن ليس لدينا وقتٌ لمثل هذه الأمور، حياتنا اليومية ينقصها
الكثير، الكثير جداً مقارنةً بالعالم المُتقدِّم الذي لم يعد نقصه شيء لدرجة أنه يحاول
كشف أسرار الفضاء ومعرفة هل الكعك ألذ مع الشاي أم بدونه...
فمتى سنصل نحن إلى هذه المرحلة من الاسترخاء والرخاء؟
سؤالٌ صعبٌ جداً، إليس كذلك؟ الإجابة المنطقية الجافة له (دون غمسها في التفاؤل!) ستكون:
بعد سنينٍ وسنين، وأجيالٍ وأجيال.. ربما مائة سنة على الأرجح. فنحن قبل أن نحاول التبحر
في العلوم سيتوجب علينا بناء دولة، دستور، حكومة، قانون، قضاء، أمن، جيش، اقتصاد، صحة،
تعليم... دراساتنا اليوم يجب أن تكون تأسيسية، وليس استكشافية: دولة مستقرة، ثم نظام
تعليم ممتاز، ثم جماعات جيدة تستقبل الطلبة، ثم برامج بحوث علمية متطورة ومدعومة، ثم
مركز فلكي، ثم ميزانية للدراسات الفضائية، وربما بعد كل ذلك نُرسل قمراً صناعياً إلى
الفضاء، ونتعاون مع وكالة ناسا الأمريكية، وينزل أول رائد فضاء ليبي على القمر، ويتم
تكريمه وطنياً، ويتمكن من وراء مكتبه في المركز الفلكي أن يسخر من ذلك العالم الليبي
الذي أجرى تجارباً لمعرفة مدى لذة الخبز وهو مغموسٌ في الطبيخة...
أكثر صورة محترمة لطبيخة (فاصوليا) ليبية وجدتها!
مع أن غياب قرن الفلفل الحارق يُثير شكوكاً حول ولاء الطبيخة الوطني!
ولكن، حتى إن تمادينا في الأحلام، فيجب أن نتذكر دائماً
بأن الخطوة الأولى هي بناء دولة فيها علاقة متبادلة بين الوطن والمواطنين: الوطن يهتم
بمواطنيه، والمواطنين يعملون من أجل هذا الوطن – موازنة الحقوق والواجبات في ميزان
الوطنية. وبالتالي، فيمكننا اليوم أن نسخر من هذه التجارب والدراسات، أعني في ليبيا
وسط المعاناة اليومية، وبصفةٍ عامة في دول العالم الثالث التي تزحف في قاع الانحطاط،
يمكننا أن نسخر ونغضب طالما كانت أولوياتنا المرحلية واضحة وسليمة؛ فحينها سوف نُدرك
بأن تلك التجارب والدراسات وكل تلك العلوم الغريبة – التي قد تكون مدعاةً للسخرية بالنسبة
لنا الآن – تُمثِّل بالضبط المرحلة التي يجب أن نصل إليها من التطور: المرحلة التي
يؤدي فيها العلم كل واجباته العملية أو التطبيقية ويتفرغ للتطور والتقدم في أمورٍ علمية
أو نظرية. اليوم يمكننا، بل ربما يجب علينا أن نسخر من التجارب التي تقيس مدى لذة الكعك
مع الشاي، ولكن بشرط أن ننشغل بأمورٍ أخرى نَدرِسها ونُطوِّرها ونُطبِّقها، وليس
فقط أن نسخر من تجارب ودراسات الآخرين ونحن لا نفعل شيئاً، ففي النهاية (انعدام
الفائدة) الذي قد نسخر منه هذا تطلب الكثير من الجهد والعمل، ولا يحق لنا فعلاً أن
نسخر من هذا المجهود ونحن لا نبذل مجهوداً مساوياً في أي اتجاه...
السخرية يمكنها أن تكون من غاية العمل التي قد لا
تفيدنا نحن الآن، ولكنها تكون سخريةً مشروعة فقط طالما كانت لدينا غايات أخرى نسعى
إليها... نعم، يمكننا أن نسخر من تجربة هل الكعك ألذ مع الشاي أم بدونه، ولكن فقط
إذا كنا في ليبيا مشغولون بالتفكير في أشياء أخرى مع الشاي أو القهوة... التفكير
في ضرورات المرحلة، ومتطلبات بناء المستقبل، كما نقول كثيراً، مع طويسة شاهي خضرا
بالنعناع، أو مع فنجان قهوة مرة وسيجارة... هذا كل ما يجب أن نتهم به اليوم مع
الشاي أو بدون الشاي... أما الكعك ومعضلة غمسه، فهذه تساؤلاتٌ لمستقبلٍ أخر... مستقبل
أرجو أن يصل إليه بعض الليبيين...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق