ماذا تفعل هنا يا عزيزي القارئ؟! هل لديك وقتٌ تضيعه
في قراءة المقالات؟ ألا تعلم أن فترة تسجيل الناخبين تكاد تنتهي، وأن انتخابات المؤتمر
الوطني على الأبواب؟ فقم من جلستك الثقافية هذه يا عزيزي القارئ، قم إلى الركض الديمقراطي
نحو مراكز التسجيل... بسرعة! لا وقت لدينا لنُضيعه! بسرعة لكي تتمكن من المشاركة في
أول انتخابات برلمانية (أو مؤتمروطنية!) في تاريخ ليبيا المعاصر! بسرعة!
لا تسألني عن إجراءات الانتخابات الغامضة، فهذا ليس
وقتاً للطعن في تقسيم الناخبين وترسيم الدوائر الانتخابية، فلا تتمادى في انتقاد (العملية)،
فهذا تطبيقٌ لشرع الله، وإقرارٌ لمبدأ الشورى، فهل يجوز الطعن في عدالة هذه العملية
الإيمانية بفلسفاتٍ عقلية؟! أَسرع فقط، بإيمانٍ صامت، إلى مراكز التسجيل لتحصل على
بطاقتك الانتخابية، وسام الشرف الديمقراطي!
وأرجو ألا تتمسك بكلمة (الطعن) التي ذكرتها لك للتو،
مجرد خطأ في التعبير، فلا تُرهقني بالسؤال عن إجراءت الطعن المعدومة، أعلمُ مثلك تماماً
أن القضاء غير مُفعَّل، ولكن (ربنا يسهلها) إن شاء الله، فتوكل على الله، ولا داعي
لأن تطعن في أي مترشح أو فائز أو لجنة، وأرجو ألا تُفكر في طعن أيٍّ منهم! ولكن، لا
داعي لأن نتحدث عن السلاح الأبيض والبنادق أصبحت متداولةً كالعملة الورقية، والرصاص
قروشها... فقط سارع إلى وضع اسمك، بكل فخر، في سجل الناخبين، وفاءً لدماء الشهداء،
وتأكيداً لمبادئ الثورة، فحتى لو لم تكن هذه العملية متكاملة، وكانت مليئةً بالثقوب،
إلا أنها هدف الثورة، أليس كذلك؟! فبسرعة! بسرعة إلى مراكز التسجيل!
بسرعة ولا تُقلق نفسك بالتفكير في الرقابة، أعلمُ أنك
اقتنعت بأن الطعون والقضاء أمرٌ وهمي، اقتنعتَ أو فقدتَ الأمل: الأمر سيان، ولكن لا
تسمح لعقلك بأن يتجول بعيداً نحو هرطقات الرقابة والمسؤولية، فالله يرى كل شيء، وللكون
ربٌّ يحميه، فقط كُن على ثقة بأنه إذا هجمت جحافل الفساد على أي لجنة انتخابية، وسارت
في مقدمتها فيلة التزوير! فإن الله سيُرسل عليهم، بلا شك، طيراً أبابيل ترميهم بالأحكام
القضائية والعقوبات الجزائية، وسوف يتكفل رب الكون بحماية هذه الثورة، ثورة التكبير،
فقط سارع، وكَبِّر وأنت تركض، إلى مراكز التسجيل، واجعل ثقتك في الله واسعة، وزد من
اتساعها لتشمل البشر حتى ولو خُلق الإنسان ضعيفاً وكانت له قابليةٌ قويةٌ للفساد، فقط
تذكر أن الله على كُلِّ شيءٍ رقيب، فلا داعي للحديث عن الرقابة والمسؤولية، فقط تحدث
عن إرشادات الطريق، والأوراق المطلوبة، واعلم أن الله يُمهل ولا يُهمل، فتوكل على الله،
ولا تقع في مغبات الكفر والشك بالسؤال عن الأسباب والعمل، فقط اركض بسرعة، وبثقة عمياء،
إلى مراكز التسجيل، بسرعة!
وصدقني يا عزيزي القارئ، أيها المواطن الشهم الديمقراطي،
أنت لا تحتاج لأن تعرف تماماً من هم المترشحين، لا تحتاج لأن تعرف هل هم مؤهلين لإدراة
شؤون البلاد التشريعية وتحديد سياستها الداخلية والخارجية في هذه المرحلة الحرجة، ففي
النهاية بلادنا وقودها البركة! تمشي بالتفاؤل، ولو اتجهت إلى الهاوية... فلا تسأل كثيراً
عن القدرات والكفاءات، وركِّز فقط على أنك، لأول مرة في حياتك، سيكون لمنطقتك ممثلٌ
رسمي في الحكومة! أفلا يُسعدك هذا؟ ماذا يعنيك أنت إن لم يكن هذا الشخص مؤهلاً؟ ألن
يكون من منطقتك؟ ربما مدينتك؟! بل ربما يكون (ولد عمك) ومن نفس قبيلتك! أفلا تطير فرحاً
لهذا؟!!! لا تنشغل بالتساؤل عن قدرة المترشحين على تسيير أمور البلاد، ولا تقلق من
أن تستمر الإخفاقات ويستمر معها الهرب من المسؤولية، ولا تفكر فيما إذا كانوا سيلزمون
نفس المنهج العشوائي الراهن في إصدار القوانين وتعديلها بدون منطق وبدون اعتبار لإرادة
الشعب... لا تُرهق خاطرك بحمل هذه الأفكار الثقيلة، مهما رأيت أنها جوهرية، ركِّز فقط
على أن من سيقودك هو من منطقتك أو مدينتك أو قبيلتك، ولا تهتم للطريق التي سيقودك عبرها،
فكلنا في طريقنا إلى المقابر، وما هذه الدنيا إلا كظلٍّ زائل، فأترك زندقة السؤال وهرطقة
الاستفسار، وسارع بكل ما تملك من تفاؤل إلى مراكز التسجيل؛ فبطاقة الناخب أهم بكثير
الآن من أي مستندٍ آخر يُثبت أو ينفي جدارة هذا المترشح أو ذاك، والعبرة هي في العملية
الديمقراطية نفسها، هي في الحرية، أليس هذا ما ضحى من أجله خيرة شبابنا؟! شبابٌ مثل
الزهور رووا الأرض بدمائهم الطاهرة لكي نتمكن أنت وأنا والجميع من التصويت في انتخاباتٍ
ديمقراطية، فاركض بسرعة، بسرعة! وأترك تأني السؤال والفهم، واستبدله اليوم بعجلة المجازفة،
بسرعة!
أعلمُ جيداً، يا عزيزي القارئ، أنني أدفعك من فكرةٍ
لأخرى، وأنك قد تكون قررت ألا تعتمد على انتخاب (أشخاص) وربما ستحاول البحث عن (أحزاب)،
وهذا أيضاً أمرٌ يجب ألا تشغل فكرك به، حتى ولو كان قانون الأحزاب وليد اللحظة ومصاباً
بإعاقاتٍ كثيرة، ومناعته غير مُحصنة ضد نزوات التعديل والتغيير، وحتى وإن كان لدينا
عشرات، وربما مئات، الأحزاب التي تتخبط في ميدان السياسة بلا وعي، فبالرغم من كل النواقص
والعيوب، بالرغم من كل الاستحالات السياسية والمنطقية والفيزيائية، بالرغم من كل ذلك
يجب عليك أن تُشارك في الانتخابات، فلا تنسى يا عزيزي القارئ أن الله هزم الأحزاب وحده،
وثورتنا يحميها الله، حتى ولو لم يكن بيننا رسول، وحتى ولو لم يكن الدين مُهدداً في
وسطنا بما يقتضي تدخلاً إلهياً، وحتى وإن انحرفنا عن مسيرة الثورة الطاهرة، كن على
ثقة بأن كل شيء سيسير على ما يُرام، عليك فقط أن تكون هادئاً، أن تُسجل اسمك، ثم تصوت
لمن يفوز في مسابقة الدعاية، وبعد ذلك اجلس في بيتك بهدوء واقرأ الأخبار والمقالات
على راحتك... تمسك بالثقة العمياء، ولا تهتم كثيراً للواقع أو للعمل... ولكن الآن يجب
أن تتعب قليلاً لتُثبت مدى قوة ثقتك، مشوارٌ بسيط إلى مركز تسجيل الناخبين، تصوير بعض
المستندات، بعض الكتابة والتوقيعات، وقريباً سينتهي الأمر وتعود إلى جلستك المريحة،
فلذلك أسرع إلى التسجيل، بسرعة!
أرجو ألا تكون يا عزيزي القارئ مازلت جالساً في مكانك!
أتمنى أن تكون قد خرجت مسرعاً لتسجيل اسمك مع الناخبين، تاركاً بقية هذه المقالة غير
المُجدية بدون قراءة؛ فالانتخابات أعظم بكثير من قراءة بعض الكلمات البائسة. فأرجو
أن تُسرع للمشاركة في الانتخابات، بدون أي تشكيك منطقي في تكامل وصحة العملية؛ فالعبرة
يا عزيزي القارئ هي في (ديمقراطية) الانتخاب، حتى ولو كانت العملية الانتخابية تفتقد
للمقومات القضائية والرقابية التي تحمي الديمقراطية، العبرة يا عزيزي القارئ هي في
(حرية) الانتخاب، حتى ولو لم تكن لدينا حرية في معرفة المترشحين وفي اختيار الأجدر،
العبرة يا عزيزي القارئ هي في (الحاضر)، نعم، هي في (المشاركة في العملية الانتخابية...)
وحسب، دون أي خيالات رومانسية عن بناء المستقبل وأهمية وضع الأساسات، وإلى آخره من
أحلام المتوهمين... ولذلك، يا عزيزي القارئ، أتمنى أن تكون قد خرجت للمشاركة في (حاضر)
بلادك، حتى ولو كنت لا تعلم شيئاً، ولا تدري هل تركض باتجاه الخلاص أم الهلاك، حتى
ولو أحسست بأنك تُقاد في وسط قطيع، فالعبرة هي في (الحاضر) وحده... وليكن المستقبل
شغل حاضريه...
وإن أصررت يا عزيزي القارئ على قراءة المقالة كاملة،
فاسمح لي بأن أعطيك نصيحةً أخيرة، وهي أن لا تنسى أن تتمرن جيداً، وتحافظ على لياقتك
البدنية، من أجل أي انتخابات أخرى قد نحتاج لك فيها؛ فبلا شك سندعوك للمشاركة في ماراثونٍ
جديد، تركض فيه بثبات وعزيمة الصم البُكم العُمي للتصويت لمترشحك المفضل من أجل حاضر
بلادك...
فبسرعة، يا عزيزي القارئ، بسرعة إلى الانتخابات!
ليبيا المستقبل: 13 مايو 2012.
* بدون فخرٍ مبالغٍ فيه، أظن أن هذه إحدى أفضل
المقالات التي كتبتها يوماً! وأظن أن معيار ذلك ليس فقط الأسلوب الساخر للمقالة
(الذي يبدو جيداً!) ولكن المعيار الأساسي هو أنها عكست واقع ذلك الماضي، وأنها
تستمر – للأسف – في عكس الواقع حتى في الحاضر... نفس الدعوة الآن تنتشر، نفس
المجازفة الانتخابية، نفس الوهم الديمقراطي... أظن أني سأجمع مقالات انتخابات
المؤتمر الوطني كلها الآن... هذه المقالة الأولى (13 مايو)، والمقالة الثانية هي (الحمد لله
على تأجيل الانتخابات: 18 يونيو)، والمقالة الثالثة (أصواتنا ليست مهمة: 7 يوليو) هي التي نشرتها قبل
هذه المقالة... سلسة غير مقصودة حول الانتخابات المليئة بالعيوب وحول نهمنا الأعمى
للديمقراطية الذي يدفعنا للوقوع في كل الحفر في طريقنا لأننا لم نهتم بما فيه
الكفاية للتأكد من صحة وسلامة الطريق الذي نعبره، فهل وصلنا؟ وهل سنصل يوماً إلى
غايتنا؟! سلسلة تشاؤمية من الماضي، وباستثناء بضعة اختلافات عملية، فإنها تكاد
توافق الحاضر أيضاً... ويا إلهي كما أخشى أن توافق المستقبل أيضاً...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق