جميعنا نعلم من
هو قراقوش... أو على الأقل نعلم المثل الدارج: (حكم قراقوش)، والذي نستشهد به
للدلالة على الظلم والاستبداد والحكم بالنزوات الشخصية. فقراقوش هو ذلك الرجل
الظالم الطريف في نفس الوقت، الذي نسمع عنه قصصاً تُضحكنا وتبكينا. كالقصة التي
تقول بأنه عُرضت عليه قضية لشخص سرق دجاجة، فحكم فيها بغرامة على السارق لأنه سرق،
وغرامة على صاحب الدجاجة لأنه لم يحفظها، وغرامة على الشاهد لأنه تدخل في ما لا
يعنيه!
القصص والطرائف
تفوق الحصر، وتختلط في سجل التاريخ، فنجدها تارةً عن أعرابي، وتارةً عن قاضٍ أحمق،
ونجدها حيناً عن جحا، وحيناً آخر عن قراقوش! ولكننا في النهاية نخلص من التاريخ
المُختلِط بالشائعات إلى أن قراقوش كان حاكماً ظالماً مزاجياً، وتصبح عبارة (حكم
قراقوش) هي الشكوى الصامتة التي يشكو بها الزوج حكم زوجته! أو الابن حكم أبيه! أو
الشعب حكم سلطانهم...
إذاً جميعنا
نعلم من هو قراقوش الفاشوش! ولكننا لا نعلم من هو قراقوش الحقيقي...
قراقوش الحقيقي
كان ضحيةً لزميل له في الحكومة يُدعى الأسعد بن مماتي، الكاتب الذي كان يتولى
ديوان الجيش والمالية، والذي قاده خلافه مع قراقوش إلى أن يؤلف عنه كتاباً أسماه:
(الفاشوش في أحكام قراقوش). كثيرون حللوا سبب تأليف هذا الكتاب، بعضهم ردوه إلى
محاربة الإسلام نظراً لأصل ابن مماتي المسيحي، وآخرون قالوا أنه عنصرية ضد الأجانب
نظراً لأن قراقوش كان من المماليك الأتراك، والغالبية يُفسرون الأمر على أنه خلاف
شخصي وسباق على المناصب. وأظن أن أرجح رأي هو الأخير؛ فمنصب قراقوش الكبير وشخصيته
العسكرية والقيادية بلا شك كانت تتصادم مع شخصية ابن مماتي الأدبية والمتسلقة إن
جاز لنا التعبير! ولعل خير من وصف طبيعة خلافهم هو الشيخ علي الطنطاوي في كتابه
(رجال من التاريخ) حين قال: (وابن مماتي هذا كاتبٌ بارع وأديبٌ طويل اللسان... وكان
الرؤساء يخشونه ويتحامونه، ويتملقونه بالود حيناً وبالعطاء حيناً. ولكن قراقوش وهو
الرجل العسكري الذي لا يعرف الملق ولا المداراة لم يعبأ به، ولم يخش شره... فألََّف
ابن مماتي رسالةً صغيرة سمَاها الفافوش في أحكام قراقوش، ووضع هذه الحكايات ونسبها
إليه. وصدَقها الناس، ونسوا التاريخ.) وكان ما كان، وأصبح قراقوش مثلاً يُضرب في
الظلم والاستبداد...
ولكن ها هي
معلومة قد لا يعلمها كثيرون: قراقوش كان يعمل عند صلاح الدين الأيوبي...
مفاجأة، أليس
كذلك؟!