2013... سنة... سيئة...
أظن أن كلمة (سيئة) هي أكثر كلمةٍ محترمة يمكنني أن
أصف بها هذه السنة دون أن أصاب بنوبة صرعٍ مِن شدة بساطة هذه الكلمة في التعبير عن
مدى كرهي لسنة 2013...
الشيء الذي يجب فعله، دائماً، هو مقارنة الإيجابيات
والسلبيات. لن أقوم بهذه المقارنة. هنالك بعض الإيجابيات، هنالك أشياء تعملتها
واستفدت منها، حتى بعض التجارب السيئة تعلمت منها، وهنالك أمورٌ جيدة قمتُ بها،
هنالك تطورات في العالم، ولكنني لن أضع هذه الأمور في الكفة المقابلة لكفة
السلبيات... سبب عدم قيامي بهذه المقارنة هو أن بعض تلك السلبيات التي حدثت في سنة
2013 أجد نفسي مستعداً للتضحية بكل الإيجابيات في مقابل محوها أو نسيانها. مثلاً،
تخيل أن شخصاً ما أعطاك مائة دولار، ثم قام بطعنك في إحدى عينيك! لقد أصبحت أعوراً
يمتلك مائة دولار! هل يمكنك أن تقول: (كانت هنالك إيجابيات وسلبيات، وبالرغم من
أنني فقدت عيني إلا أنني لا أستطيع إنكار أنني تحصلت على مائة دولار...) إذا قلت
ذلك فأنت أحمق، لأن الإجابة الصحيحة (أو غير المجنونة!) ستكون بأن تقول بأنك
مستعدٌ للتخلي عن المائة دولار في سبيل أن تعود عينك المسكينة. نفس الشيء أقوله عن
سنة 2013، هنالك أشياء جيدة، ولكن الأشياء السيئة تطمسها تماماً، وأنا مستعدٌ
للتخلي عن أي شيء جيد تحصلت عليه في سبيل حذف الأشياء السيئة من الوجود تماماً، لا
أعني بحذفها نسيانها أو إصلاحها، ولكن أعني العودة بآلة زمن إلى الماضي وقتل أجداد
كل الأشخاص المتورطين في القصة لكي لا ينجبوا أهلهم، ولكي لا يلتقي أهلهم
ويتزوجوا، ولكي لا ينجبوا أولئك الأشخاص الذين سوف تقودهم الحياة للتورط في مسائل
أجد نفسي في نهاية السنة ألعن سنةً كاملة بسببها... وأنا أحد أولئك الأشخاص...
ولكن هنا ستواجهني معضلة الجد في السفر عبر الزمن... حسناً... تباً... إذا عدت
بالزمن وغيرت أي شيء في ماضيِّ، فإن هذا سينفي وجودي في المستقبل كما أنا وبالتالي
لن أعود بالزمن ولن أستطيع تغيير شيء ولن يتغير شيء... ولكن... هذا قد لا يكون
منطقياً، أعني لو قمتُ بتغيير الماضي، فإن المستقبل سوف يتغير حتمياً، وصحيح أن
هذا سيعني أنني لن أعود بالزمن، ولكن هذا سيكون نتيجة تغيير الماضي الذي سيغير
المستقبل وسيؤدي إلى سلوكي طريقاً مختلفاً عن ذلك الذي أوصلني للعودة بالزمن
لتغيير الماضي... لحظة... الخطة يمكن أن تنجح... الأمر منطقي تماماً، ولا داعي لكل
تلك المشاكل، فأنا لن (أنفي) وجودي، ولكنني سأغير طريقي فقط، وبالتالي ما سيحدث هو
أن الزمن سيستمر ولكن في طريقٍ أخرى، أعني أن الذي سيحدث هو أن تغييري للماضي سوف
يكون جزءاً من المستقبل!
انتظري فقط يا سنة 2013، ريثما يتم اختراع آلة سفر
عبر الزمن، وريثما أكتشف طريقةً أسرقها بها، فبلا شك لن أستطيع تحمل تكلفتها
الغالية، وسوف أعود وأمحوك تماماً من الماضي أو المستقبل!
وبعيداً عن الأنانية - لوهلة! - فهي سنةٌ سيئةٌ جداً... في
ليبيا لم يتغير شيء، بنغازي سجَّلت رقماً قياسياً في الاغتيالات والتفجيرات...
درنة أصبحت قنبلةً متفجرةً على الدوام، دون الحاجة لضبط التوقيت... طرابلس ضحية
لكل من هب ودب، قطع مياه، قطع كهرباء، قطع وقود، قتل متظاهرين... الحكومة أوضحت
أنها لا تخدم الشعب الليبي ولا تفعل شيئاً سوى التظاهر بأنها حكومة... مشكلة
الجماعات المسلحة أو الميليشيات أو الكتائب أو أي تجمع آخر لأفراد يحملون السلاح
يرهبون به عباد الله أصبحت أيضاً مشكلةً بارزة تضع ليبيا بفخر على كل قوائم الخطر
الدولية... الحمد لله أننا لسنا بلداً يعتمد على السياحة... نعتمد فقط على النفط
الذي أصبح هو الآخر مشكلةً عالمية ترفع الأسعار وتهز الأسواق العالمية وتؤكد
للعالم بأن الشعب الليبي الذي أبهرهم بثورته يُبهرهم مرةً أخرى بفشل ثورته، وبكل
الإنجازات العالمية التي حققتها بلادنا، إنجازاتٌ مُبهرة كترتيب ليبيا بين أكثر
عشر دول فساداً، وبين أسوأ الدول في الممارسة الديمقراطية، وبين أكثر 20 دولة
خطيرة من حيث الاختطاف، وهي بلا شك من أفضل الدول في البغدد، ولو أن هذا التصنيف
لا توجد له إحصائيات دولية معتمدة، لكن أي مواطن ليبي يعلم تماماً بأن ليبيا
ستُبهر العالم في مجال البغدد!
والعالم كله لم يتغير، ولن يتغير... فلسطين مازالت
تعاني من قادة فاشلين وسياسيين خبيثين، وإسرائيل مازالت تفعل كل ما تريده،
والولايات المتحدة تقف فوق العالم كله وتستفزه ولا يستطيع أحد تحديها، والعرب
مازالوا في مسيرتهم التاريخية العظمى إلى الوراء... أظن أن هدف العرب هو محاولة
خلق احتكاك معاكس لسير العالم يكون قوةً معاكسة تؤدي إلى التأثير على دوران الأرض
مما قد يؤثر بدوره على البعد الزمني فيعود العالم كله إلى الوراء فنجد أنفسنا عدنا
إلى عصور المجد والازدهار، ونرتاح بذلك من محاولة صنع مستقبل حقيقي لأنفسنا... نحن
كسالى لدرجة أننا لا نريد التقدم بما أن ذلك يعني العمل، نريد فقط العودة – ولو
بالذاكرة – إلى زمن نجد فيه كل سبب للفخر جاهزاً، نريد حضارةً سريعةً خفيفة، الأمم
المتحدة هي مطعم ماكدونالدز، والجامعة العربية هي مطعم شاورما، ولا أعلم لماذا
ارتبطت الحضارة عندي بهذه المنظمات الدولية، ولكن اليوم الباب لأي شيء هو
الاستقلال السياسي، وهذا مرهونٌ بالقوى العظمى التي تتحكم في مطاعم المأكولات
السريعة... لا أعلم ماذا كنت أقول... سنة 2013 والعالم: تونس في وضعٍ غامض، ولكن
البعض مطمئنون له، وهو على أي حال أفضل من وضع مصر الذي لا يفهمه أحد على الإطلاق،
باقي العالم العربي لا أدري أين هو، نيلسون مانديلا انتقل إلى رحمة الله، وفجأةً
تذكر العالم أن هنالك شيء اسمه إنسانية ومبادئ وحرية، والمفارقة الطريفة أن العالم
تناقل التعازي وكأنها جنازة هذه الإنسانية والحرية والسلام، وليست فقط جنازة
نيلسون مانديلا، وبطريقةٍ أو بأخرى فهذا صحيح، ولكن الفرق أن نيلسون مانديلا قد
تُوفيَّ للتو، بينما جثث الإنسانية والحرية والسلام تتعفن منذ قرون...
والأنانية الطبيعية لا تسمح لي بالمتابعة أكثر في
الاهتمام بأشياء ليست أنا... وتباً لكِ يا سنة 2013 على كل ما أورثتني إياه من
تعب... يقولون بأن اللعنة ليست جيدة، ولكن تبقى يومٌ واحد من هذه السنة، يومٌ
ملعونٌ واحد، وأظن أنه يمكنني احتماله، فقد احتملت 364 يوماً ملعوناً قبله...
ولكن... الحقيقة أن السنة في حد ذاتها ليست مسؤولةً
عن أي شيء... أعني أن أربعة أرقام لا تعني شيئاً، مرور الزمن، وطلوع الشمس
وغروبها، وتتابع الفصول، كل هذه الأمور تحدث دون إدراك منها لوجود الحياة أصلاً...
المشاكل دائماً سببها من يُدركون وجود الحياة، من يُدرِكون ولكن ليس بما فيه
الكفاية لإدراك حقيقة أعمالهم وحقيقة تأثيرها على الآخرين... المشكلة هي في سوء
الإدراك... ولا أعلم لماذا تعلقت بكلمة الإدراك ومشتقاتها، ولكن كل ما أريد قوله
هو أن سبب المشاكل دائماً هم البشر...
كثيرون ساهموا في جعل سنة 2013 سيئة بالنسبة لي،
وكلهم أقول لهم: انتظروا اختراع آلة سفر عبر الزمن لأمحوكم تماماً من بُعد الزمن
الذي أعيش فيه... ولكن لعل أكثر شخص جعل هذه السنة سيئة هو أنا...
وفي سابقة غير أنانية نادرة في هذه الخاطرة، فلن
أحاول الاعتذار لنفسي عن أخطائي، ولكن أظن أنه يجب عليَّ الاعتذار للبعض عما قد
أكون سببته لهم من ألم، ليس ما (قد) أكون سببته، بل ما سببته لهم من ألم وخيبات
أمل، وهم أبي وأمي وعائلتي... هم كل من هنالك في هذه الحياة بالنسبة لي، لستُ
اجتماعياً بما يكفي لأعرف غيرهم وأسبب لهم الألم، ومن قد أكون سببت له الألم فبلا
شك هو أيضاً قد سبب لي الألم وهو على قائمة محو سلالته من القرن التاسع عشر وما
يليه... ولكن أبي وأمي، عائلتي، المقربون منهم، الذين فعلاً أتعايش معهم لدرجة
تسمح لي – للأسف – بأن أؤلمهم... هؤلاء جميعاً أرجو أن يعذروني على كل ما ارتكبته
في حقهم في هذه السنة من خطايا... وهي كلها خطايا لأنني من المفترض أن أكون أعقل،
أن أكون مدركاً لعواقب تصرفاتي... والاعتذار لا يكفي، لكن هنالك أشياءٌ كثيرة أخفي
خلفها عاري، أعذارٌ كثيرة أتعلق بأطرافها لأحاول تفادي السقوط في هوة الواقع...
ولكن، لا داعي للأعذار الآن، ولا داعي للوعود التي غالباً ما تنتهي بخيبات الأمل
وكثيراً ما تبدأ بالسنوات الجديدة، كل ما له داعٍ الآن، ودائماً، هو الاعتذار...
أبي، أمي، أهلي... أنا آسف... 2013... سنةٌ سيئةٌ جداً... لأنني كنت فيها... أنا
آسف... لعنة سنة 2013 الحقيقية ليست شتمي الغاضب لها، ولكن لعنة هذه السنة
الحقيقية هي أنا... وسنة 2014 تنتظر دورها...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق